المفاهيم الخاطئة لصلاة الاستخارة

المفاهيم الخاطئة لصلاة الإستخارة
مقدمة
من محاسن شريعتنا الغرّاء ( الشريعة الإسلامية ): صلاة الاستخارة، التي جعلها الله لعباده المؤمنين بديلاً عمّا كان يفعله أهل الجاهليّة من الاستقسام بالأزلام والحجارة الصمّاء، التي لا تنفع ولا تضرّ، وعلى الرغم من أهميّة هذه الصلاة، وعِظَم أثرها في حياة المؤمن، إلا أنّ كثيراً من الناس قد زهد فيها، إمّا جهلاً بفضلها وأهميتها، وإمّا نتيجة لبعض المفاهيم الخاطئة التي شاعت بين الناس ممّا لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة، وهذا ما أردت التنبيه إليه في هذه العجالة، فمن هذه المفاهيم :

أولا : اعتقاد بعض الناس أنّ صلاة الاستخارة إنّما تُشرع عند التردد بين أمرين، وهذا غير صحيح، لقوله في الحديث: (( إذا همّ أحدكم بالأمر..)). ولم يقل ( إذا تردد )، والهمّ مرتبة تسبق العزم، كما قال الناظم مبيّناً مراتب القصد:مراتب القصد خمس: (هاجس) ذكروا فـ (خاطر)، فـ (حديث النفس) فاستمعا .... يليه ( همّ ) فـ ( عزم ) كلها، رُفعتْ سوى الأخير ففيه الأخذ قــد وقعا
فإذا أراد المسلم أن يقوم بعمل، وليس أمامه سوى خيار واحد فقط قد همّ بفعله، فليستخر الله على الفعل ثم ليقدم عليه، فإن كان قد همّ بتركه فليستخر على الترك، أمّا إن كان أمامه عدّة خيارات، فعليه أوّلاً ـ بعد أن يستشير من يثق به من أهل العلم والاختصاص ـ أن يحدّد خياراً واحداً فقط من هذه الخيارات، فإذا همّ بفعله، قدّم بين يدي ذلك الاستخارة.

ثانيا : اعتقاد بعض الناس أنّ الاستخارة لا تشرع إلا في أمور معيّنة، كالزواج والسفر ونحو ذلك، أو في الأمور الكبيرة ذات الشأن العظيم، وهذا اعتقاد غير صحيح، لقول الراوي في الحديث: (( كان يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها.. )). ولم يقل: في بعض الأمور أو في الأمور الكبيرة، وهذا الاعتقاد جعل كثيراً من الناس يزهدون في صلاة الاستخارة في أمور قد يرونها صغيرة أو حقيرة أو ليست ذات بال؛ ويكون لها أثر كبير في حياتهم.

ثالثا : اعتقاد بعض الناس أنّ صلاة الاستخارة لا بدّ لها من ركعتين خاصّتين، وهذا غير صحيح، لقوله في الحديث: (( فليركع ركعتين من غير الفريضة.. )). فقوله: "من غير الفريضة" عامّ فيشمل تحيّة المسجد والسنن الرواتب وصلاة الضحى وسنّة الوضوء وغير ذلك من النوافل، فبالإمكان جعل إحدى هذه النوافل ـ مع بقاء نيتها ـ للاستخارة، وهذه إحدى صور تداخل العبادات، وذلك حين تكون إحدى العبادتين غير مقصودة لذاتها كصلاة الاستخارة، فتجزيء عنها غيرها من النوافل المقصودة.

رابعا : اعتقاد بعض الناس أنّه لا بد من انشراح الصدر للفعل بعد الاستخارة، وهذا لا دليل عليه، لأنّ حقيقة الاستخارة تفويض الأمر لله، حتّى وإن كان العبد كارهاً لهذا الأمر، والله عز وجل يقول:
(( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) (البقرة:216)
وهذا الاعتقاد جعل كثيراً من الناس في حيرة وتردد حتى بعد الاستخارة، وربّما كرّر الاستخارة مرّات فلا يزداد إلا حيرة وتردّداً، لا سيما إذا لم يكن منشرح الصدر للفعل الذي استخار له، والاستخارة إنّما شرعت لإزالة مثل هذا التردد والاضطراب والحيرة.
وهناك إعتقاد أنه لابد من شعور بالراحة أو عدمها بعد صلاة الإستخارة وهذا غير صحيح
فربما يعتري المرء شعور بأحدهما وربما لا ينتابه أي شعور فلا يردده ذلك بل الصحيح أن الله يسير له ما أختاره له من أمر ويتمه. والله أعلم..

خامسا : اعتقاد بعض الناس أنّه لا بدّ أن يرى رؤيا بعد الاستخارة تدله على الصواب، وربّما توقّف عن الإقدام على العمل بعد الاستخارة انتظاراً للرؤيا، وهذا الاعتقاد لا دليل عليه، بل الواجب على العبد بعد الاستخارة أن يبادر إلى العمل مفوّضاً الأمر إلى الله كما سبق، فإن رأى رؤيا صالحة تبيّن له الصواب، فذلك نور على نور، وإلا فلا ينبغي له انتظار ذلك.

هذه بعض المفاهيم الخاطئة حول صلاة الاستخارة، والتي قد تصدر أحياناً من بعض المنتسبين للعلم، ممّا يؤصّل هذه المفاهيم في نفوس الناس، وسبب ذلك التقليد الجامد، وعدم تدبّر النصوص الشرعية كما ينبغي، ولست بهذا أزكي نفسي، فالخطأ واقع من الجميع.هذا ومن أراد الاستزادة في هذا الموضوع فليراجع كتاب: ( سرّ النجاح ومفتاح الخير والبركة والفلاح )، وهو كتيّب صغير الحجم، ففيه المزيد من المسائل المهمة، والشواهد الواقعية الدالة على أهمية هذه الصلاة، وفهم أسرارها ومراميها، والله تعالى أعلم.
للشيخ د محمد بن عبدالعزيز المسند

<><><><>

نشرها طيب ؛ لأن الجهل بها خطأ كبيــــر ،
والله الموفق

من حكم وفلسفة سقراط

من حكم وفلسفة سقراط
في أحد الأيام صادف الفيلسوف الكبير أحد معارفه الذي جرى إليه وقال له بتلهف: يا سقراط.. أتعلم ما سمعت عن أحد طلابك؟
انتظر سقراط لحظة ثم رد عليه قائلا: قبل أن تخبرني أود منك أن تجتاز امتحان صغير.. فقبل أن تخبرني عن طالبي لنأخذ لحظة للوقوف مع ماكنت ستقوله..
أولاً.. هل أنت متأكد أن ما ستخبرني به صحيح؟
رد الرجل: لا.. في الواقع لقد سمعت الخبر و…
وقال سقراط: إذن أنت لست متأكد أن ما ستخبرني به صحيح أو خطأ؟..
ثانياً.. هل ما ستخبرني به عن طالبي شيء طيب؟
رد الرجل: لا.. ولكن هو العكس
تابع سقراط: اذن أنت ستخبرني بشيء سيء عن طالبي.. على الرغم من أنك غير متأكد من أنه صحيح؟
بدأ الرجل بالشعور بالاحراج.. بينما تابع سقراط
ثالثاً.. هل ما ستخبرني به عن طالبي سيفيدني؟
رد الرجل: في الواقع.. لا
تابع سقراط: إذن.. كنت ستخبرني بشيء ليس بصحيح.. ولا بطيب.. ولا بذي فائدة أو قيمة.. فما الداعي لاخباري به؟

25 طريقة لربط طفلك بالقـرآن الكريم

25 طريقة لربط طفلك بالقـرآن الكريم

الأهداف
1- جعل الطفل يحب القرآن.
2- تيسير و تسهيل حفظ القرآن لدى الطفل.
3- اثراء الطفل لغويا ومعرفيا.

كل الأفكار لا تحتاج لوقت طويل (5-10 دقائق)ينبغي احسان تطبيق هذه الافكار بما يتناسب مع وضع الطفل اليومي
كما ينبغي المداومة عليها وتكرارها وينبغي للأبوين التعاون لتطبيقها.ولعلنا نخاطب الام أكثر لارتباط الطفل بها خصوصا في مراحل الطفولة المبكرة.
1- استمعي للقرآن وهو جنين
الجنين يتأثر نفسيا وروحيا بحالة الام وما يحيط بها اثناء الحمل فاذا ما داومت الحامل على الاستماع للقران فانها ستحس براحة نفسية ولا شك وهذه الراحة ستنعكس ايجابا على حالة الجنين. لان للقران تأثيرا روحيا على سامعه وهذا التأثير يمتد حتى لمن لا يعرف العربية فضلا عن من يتقنها...راحتك النفسية اثناء سماعك للقران = راحة الجنين نفسه
استماعك في فترة محددة وان تكن قصيرة نسبيا تؤثر عليك وعلى الجنين طول اليوم
2 - استمعي للقرآن وهو رضيع
من الثابت علميا ان الرضيع يتأثر بل ويستوعب ما يحيط به فحاسة السمع تكون قد بدأت بالعمل الا ان هذه الحاسة عند الكبار يمكن التحكم بها باستعادة ما خزن من مفردات. اما الرضيع فانه يخزن المعلومات و المفردات لكنه لا يستطيع استعادتها او استخدامها في فترة الرضاعة غير انه يستطيع القيام بذلك بعد سن الرضاعة. لذلك فان استماع الرضيع للقران يوميا لمدة 5-10 دقائق (وليكن 5 دقائق صباحا واخرى مساءا) يزيد من مفرداته المخزنه مما يسهل عليه استرجاعها بل وحفظ القرآن الكريم فيما بعد.
3 - أقرئي القرآن آمامه (غريزة التقليد)
هذه الفكرة تنمي عند الطفل حب التقليد التي هي فطر فطر الله الانسان عليها فــ (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه ...)ان قرائتك للقران امامه او معه يحفز بل ويحبب القرآن للطفل بخلاف ما لو امرتيه بذلك وهو لا يراك تفعلين ذلك. ويكون الامر أكمل ما لو اجتمع الام والاب مع الابناء للقراءة ولو لفترة قصيرة.
4 - اهديه مصحفا خاص به (غريزة التملك)
ان اهدائك مصحفا خاصا لطفلك يلاقي تجاوبا مع حب التملك لديه. وان كانت هذه الغريزة تظهر جليا مع علاقة الطفل بألعابه فهي ايضا موجودة مع ما تهديه اياه. اجعليه اذا مرتبطا بالمصحف الخاص به يقرأه و يقلبه متى شاء.
5- اجعلي يوم ختمه للقران يوم حفل(الارتباط الشرطي)
هذه الفكرة تربط الطفل بالقرآن من خلال ربطه بشيء محبب لديه لا يتكرر الا بختمه لجزء معين من القرآن... فلتكن حفلة صغيرة يحتفل بها بالطفل تقدم له هدية بسيطة لانه وفى بالشرط . هذه الفكرة تحفز الطالب وتشجع غيره لانهاء ما اتفق على انجازه.
6 - قصي له قصص القرآن الكريم
يحب الطفل القصص بشكل كبير فقصي عليه قصص القرآن بمفردات واسلوب يتناسب مع فهم ومدركات الطفل. وينبغي ان يقتصر القصص على ما ورد في النص القرآني ليرتبط الطفل بالقرآن ولتكن ختام القصة قراءة لنص القرآن ليتم الارتباط ولتنمي مفردات الطفل خصوصا المفردات القرآنية.
7 - أعدي له مسابقات مسلية من قصار السور (لمن هم في سن 5 او اكثر)
هذه المسابقة تكون بينه وبين اخوته او بينه وبين نفسه.كأسئلة واجوبة متناسبة مع مستواه.فمثلا يمكن للام ان تسأل ابنها عن :كلمة تدل على السفر من سورة قريش؟ ج رحلة فصلين من فصول السنة ذكرا في سورة قريش؟ ج الشتاء و الصيف اذكر كلمة تدل على الرغبة في الاكل؟ ج الجوع او اذكر الحيوانات المذكورة في جزء عم او في سور معينه ؟وهكذا بما يتناسب مع سن و فهم الطفل.
8 - اربطي له عناصر البيئة بآيات القران
من هذه المفردات: الماء/السماء/الارض /الشمس / القمر/ الليل/ النهار/ النخل/ العنب/ العنكبوت/ وغيرها.يمكنك استخدام الفهرس او ان تطلبي منه البحث عن اية تتحدث عن السماء مثلا وهكذا.
9- مسابقة اين توجد هذه الكلمة
فالطفل يكون مولعا بزيادة قاموسه اللفظي. فهو يبدأ بنطق كلمة واحدة ثم يحاول في تركيب الجمل من كلمتين او ثلاث فلتكوني معينة له في زيادة قاموسه اللفظي و تنشيط ذاكرة الطفل بحفظ قصار السور والبحث عن مفردة معينة من خلال ذاكرته. كأن تسأليه اين توجد كلمة الناس او الفلق وغيرها.
10- اجعلي القرآن رفيقه في كل مكان
يمكنك تطبيق هذه الفكرة بأن تجعلي جزء عم في حقيبته مثلا. فهذا يريحه ويربطه بالقرآن خصوصا في حالات التوتر والخوف فانه يحس بالامن ما دام معه القرآن على أن تيعلم آداب التعامل مع المصحف.
11- اربطيه بالوسائل المتخصصه بالقرآن وعلومه(القنوات المتخصصة بالقرآن، اشرطة، اقراص، مذياع وغيرها)
هذه الفكرة تحفز فيه الرغبة في التقليد والتنافس للقراءة والحفظ خصوصا اذا كان المقرءون والمتسابقون في نفس سنه ومن نفس جنسه. رسخي في نفسه انه يستطيع ان يكون مثلهم او احسن منهم اذا واظب على ذلك.
12- اشتري له اقراص تعليمية
يمكنك استخدام بعض البرامج في الحاسوب لهذا الهدف كالقارئ الصغير او البرامج التي تساعد على القراءة الصحيحة والحفظ من خلال التحكم بتكرار الاية وغيره.كما ان بعض البرامج تكون تفاعلية فيمكنك تسجل تلاوة طفلك ومقارنتها بالقراة الصحيحة.
13- شجعيه على المشاركة في المسابقات(في البيت/المسجد/المكتبة/المدرسة/المدينة....)
ان التنافس امر طبيعي عند الاطفال ويمكن استغلال هذه الفطرة في تحفيظ القرآن الكريم. اذ قد يرفض الطفل قراءة وحفظ القرآن لوحده لكنه يتشجع ويتحفز اذا ما دخل في مسابقة او نحوها لانه سيحاول التقدم على اقرانه كما انه يحب ان تكون الجائزة من نصيبه. فالطفل يحب الامور المحسوسة في بداية عمره لكنه ينتقل فيما بعد من المحسوسات الى المعنويات. فالجوائز والهدايا وهي من المحسوسات تشجع الطفل على حفظ القرآن الكريم قد يكون الحفظ في البداية رغبة في الجائزة لكنه فيما بعد حتما يتأثر معنويا بالقرآن ومعانيه السامية.كما ان هذه المسابقات تشجعه على الاستمرار والمواظبة فلا يكاد ينقطع حتى يبدأ من جديد فيضع لنفسه خطة للحفظ. كما ان احتكاكه بالمتسابقين يحفزه على ذلك فيتنافس معهم فان بادره الكسل ونقص الهمه تذكر ان من معه سيسبقوه فيزيد ذلك من حماسه.
14- سجلي صوته وهو يقرأ القرآن
فهذا التسجيل يحثه ويشجعه على متابعة طريقه في الحفظ بل حتى اذا ما نسي شي من الآيات او السور فان سماعه لصوته يشعره انه قادر على حفظها مرة اخرى. اضيفي الى ذلك انك تستطيعين ادراك مستوى الطفل ومدى تطور قرائته وتلاوته.
15-شجعيه على المشاركة في الاذاعة المدرسية والاحتفالات الاخرى
مشاركة طفلك في الاذاعة المدرسية –خصوصا في تلاوة القرآن- تشجع الطفل ليسعى سعيا حثيثا ان يكون مميزا ومبدعا في هذه التلاوة. خصوصا اذا ما سمع كلمات الثناء من المعلم ومن زملائه. وينبغي للوالدين ان يكونا على اتصال بالمعلم والمسؤول عن الاذاعة المدرسية لتصحيح الاخطاء التي قد يقع فيها الطفل وليحس الطفل بانه مهم فيتشجع للتميز اكثر.
16- استمعي له وهو يقص قصص القرآن الكريم
من الاخطاء التي يقع فيها البعض من المربين هو عدم الاكتراث بالطفل وهو يكلمهم بينما نطلب منهم الانصات حين نكون نحن المتحدثين. فينبغي حين يقص الطفل شيئا من قصص القرآن مثلا ان ننصت اليه ونتفاعل معه ونصحح ما قد يقع منه في سرد القصة بسبب سوء فهمه للمفردات او المعاني العامة. كما ان الطفل يتفاعل بنفسه اكثر حين يقص هو القصة مما لو كان مستمعا اليها فان قص قصة تتحدث عن الهدى والظلال او بين الخير والشر فانه يتفاعل معها فيحب الهدى والخير ويكره الظلال والشر. كما ان حكايته للقصة تنمي عنده مهارة الالقاء و القص . والاستماع منه ايضا ينقله من مرحلة الحفظ الى مرحلة الفهم ونقل الفكرة ولذلك فهو سيحاول فهم القصة اكثر ليشرحها لغيره اضافة الى ان هذه الفكرة تكسبه ثقة بنفسه فعليك بالانصات له وعدم اهماله او التغافل عنه.
17- حضيه على امامة المصلين (خصوصا النوافل)
ويمكن للام ان تفعل ذلك كذلك مع طفلها في بيتها فيأم الاطفال بعضهم بعضا وبالتناوب او حتى الكبار خصوصا في نوافل.
18- اشركيه في الحلقة المنزلية
ان اجتماع الاسرة لقراءة القرآن الكريم يجعل الطفل يحس بطعم و تأثير اخر للقران الكريم لأن هذا الاجتماع والقراءة لاتكون لأي شيء سوى للقران فيحس الطفل ان القرآن مختلف عن كل ما يدور حوله. ويمكن للاسة ان تفعل ذلك ولو لـ 5 دقائق.
19- ادفعيه لحلقة المسجد
هذه الفكرة مهمة وهي تمني لدى الطفل مهارات القراءة والتجويد اضافة الى المنافسة.
20- اهتمي بأسئلته حول القرآن
احرصي على اجابة أسئلته بشكل مبسط وميسر بما يتناسب مع فهمه ولعلك ان تسردي له بعضا من القصص لتسهيل ذلك.
21- وفري له معاجم اللغة المبسطة (10 سنوات وما فوق)
وهذا يثري ويجيب على مفردات الام والطفل. مثل معجم مختار الصحاح والمفدات للاصفهاني وغيرها.
22- وفري له مكتبة للتفسير الميسر(كتب ،اشرطة،اقراص)
ينبغي ان يكون التفسير ميسرا وسهلا مثل تفسير الجلالين او شريط جزء عم مع التفسير. كما ينبغي ان يراعى الترتيب التالي لمعرفة شرح الايات بدءا بالقرآن نفسه ثم مرورا بالمفردات اللغوية والمعاجم وانتهاءا بكتب التفسير. وهذا الترتيب هدفه عدم حرمان الطفل من التعامل مباشرة مع القرآن بدل من الاتكال الدائم الى اراء المفسرين واختلافاتهم.
23- اربطيه باهل العلم والمعرفة
ملازمة الطفل للعلماء يكسر عنده حاجز الخوف والخجل فيستطيع الطفل السؤال والمناقشة بنفسه وبذلك يستفيد الطفل ويتعلم وكم من عالم خرج الى الامة بهذه الطريقة.
24- ربط المنهج الدراسي بالقرآن الكريم
ينبغي للأم والمعلم ان يربطا المقررات الدراسية المختلفة بالقرآن الكريم كربط الرياضيات بآيات الميراث و الزكاة وربط علوم الاحياء بما يناسبها من ايات القرآن الكريم وبقية المقررات بنفس الطريقة.
25- ربط المفردات والاحداث اليومية بالقرآن الكريم
فان اسرف نذكره بالآيات الناهية عن الاسراف واذا فعل اي فعل يتنافى مع تعاليم القرآن نذكره بما في القرآن من ارشادات وقصص تبين الحكم في كل ذلك.
كيف نستفيد من هذه الافكار
1- اكتبي جميع الافكار في صفحة واحدة.
2- قسميها حسب تطبيقها (سهولتها وامكانية تطبيقها) واستمري عليها.
3- التزمي بثلاث افكار ثم قيمي الطفل وانقليها لغيرك لتعم الفائدة.
4- انتقلي بين الافكار مع تغير مستوى الطفل.

هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين جزا الله خيرا من كتبها ونشرها بين المسلمين والله ولي التوفيق

تعامل مع إبنك بطريقة إيجابية

تعامل مع إبنك بطريقة إيجابية
لا تقول لطفلك ...
قم صلي و إلا ستذهب إلى النار..........
بل قول ...
تعال و صلي معي لنكون معا في الجنة
***************
لا تقول لطفلك ...
قم رتب غرفتك التي مثل الخرابة........ ...
بل قول ..
.هل تحتاج للمساعدة في ترتيب غرفتك لأنك دائما تحب النظافة و الترتيب
***************
لا تقول لطفلك ...
لا تلعب بالكرة في البيت و لا الشارع.......
بل قول ...
الكرة مكانها في الحوش أو الحديقة أو سأشترك لك في النادي لتلعب بالكرة مع أصحابك
***************
لا تقول لطفلك ...
قم ادرس و اترك اللعب فالدراسة أهم .......
بل قول ...
إذا أنهيت دروسك باكرا سأشاركك في لعبة البلاي ستيشن الجديدة أو أي نشاط تحب
***************
لا تقول لطفلك ...
قم نظف أسنانك ولاّ لازم أنا أقلك........
بل قول ...
أنا مبسوط منك لأنك دائما تنظف أسنانك من غير ما أقلك
***************
لا تقول لطفلك ...
لا تنسى أن تغسل يديك بعد الطعام........
بل قول ..
أنا بحب أشم رائحة يداك بعد ما تغسلهم
***************
لا تقول لطفلك ...
لا تجلس على طاولة الطعام........
بل قول ...
نحن نجلس على الكرسي و نأكل على الطاولة
***************
تقول لطفلك ...
لا ترسم على الحائط و على رجليك .......
بل قول ...
ارسم على الورق و عندما تنتهي سأعلق الرسمة على الحائط أو الثلاجة أو السبورة
***************
لا تقول لطفلك ...
ما هذا الرسم ,هذه شخابيط غريبة .......
بل قول ..
أعجبني ألوانك الجميلة ,أعجبني خطوطك الثابتة ,أعجبني شمسك المشرقة,ممكن تعبرلي عن رسمتك الحلوة ,مين هذه البنت في الرسمة , فين السيارة رايحة,ليش النوافذ مفتوحة
***************
لا تقول لطفلك ...
لا تنم على الجنب الأيسر.....
بل قول ...
علّمنا رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم أن ننام على الجنب الأيمن.
(يا حبذا توضيح الفوائد)
***************
لا تقول لطفلك ...
لا تأكل شوكولاته عشان أسنانك لا تسوس.....
بل قول ...
أنا سمحت لك تأكل شوكولاته مرة في اليوم لأنك شاطر و دائما تنظف أسنانك
***************
لا تقول لطفلك ...
يا غبي لماذا لم تتمكن من الإجابة على السؤال .......
بل قول ...
معك حق السؤال يحتاج للمساعدة و السؤال الثاني ستحله بمفردك لأنك ذكي
***************
يحب طفلك القفز على السرير......قول له السرير صنع للنوم

و لكن إذا كنت تحب القفز سنآخذك للملاهي و أركبك النطيطة و تقفز عليها حتى تتعب
****************************
نصيحة
ابتعد/ي عن الإيحاء السلبي و استخدم/ي الإيحاء الايجابي,

و يفضل دائما توفير البدائل فعندما تمنع/ي طفلك من شيء حاول/ي أن توفر/ي له البديل إذا أمكن

أوعى تكون أنت المولود الثالث من إخواتك

أوعى تكون أنت المولود الثالث من إخواتك

الملابس

الطفل الأول: الأم تلبس هدوم الحمل من أول لما تعرف إنها حامل

الطفل الثاني: تحاول تلبس هدومها العادية لأطول فترة ممكنة

الطفل الثالث: هدوم الحمل هي هدومها العادية اليومية

الإعداد للطفل

الطفل الأول: كل دقيقة تغيير للطفل.. وتحاول تخلي ريحته حلوة

الطفل الثاني: كل ثلاث ساعات

الطفل الثالث: لما ريحته تطلع

القلــق

الطفل الأول: من أول خبطة تجري عليه و تشيله

الطفل الثاني: تشيله لو حست أن خلاص فيه عربية حتخبطه

الطفل الثالث: أحسن..علشان تتربي... خلي العربية تدوسك

الأكـــل

الطفل الأول: ترمي أي حاجة تقع على الأرض

الطفل الثاني: تغسلها بشوية مية

‎الطفل الثالث: تمسحها فى هدومها

الفُسَـح

الطفل الأول: الملاهي... المراجيح..النادي

الطفل الثاني: النادي

الطفل الثالث: السوق

الخروج

الطفل الأول: تسيبه مع أختها و تتصل تطمئن عليه كل خمس دقائق

الطفل الثاني: تسيبه مع أختها و هي على الباب تفتكر تسيب رقم التليفون بتاع المكان اللي هي رايحاه

الطفل الثالث: تسيبه مع أي حد.. مع تحذير بان محدش يتصل بيها إلا في حالة يكون في الموضوع دم

في البيت

الطفل الأول: كل دقيقة تتفرج على ابنها وهو نايم

الطفل الثاني: من وقت للتاني تتأكد إن الكلب مأكلش ذراع الولد

الطفل الثالث: تستخبى منهم على قد ما تقدر

لو بلع شلن فضة

الطفل الأول: تطلب عمل أشعة للولد

الطفل الثاني: تقلق شوية عليه، وتستنى وتشوف هيبلع الفلوس ويهضمها ولاَّ لأ؟‎

الطفل الثالث: تخصمه من مصروفه

الى ح موت واعرفة الطفل الرابع بيتعمل فيه ايه بالضبط

حوار مع الدكتور أحمد عكاشة

حوار مع الدكتور أحمد عكاشة


أعجبني بشدة الحوار الذي قامت به جريدة المصري اليوم مع د/أحمد عكاشة واحببت ان أنقلها لكم لتعم الفائدة على الجميع

ماذا يعنى مفهوم الصحة النفسية.. وكيف ترى صحة المصريين النفسية؟
الصحة النفسية تعنى جودة الحياة، وتعريفها هو قدرة الإنسان على التكيف مع مشاكل الحياة، وقدرته على الصمود كلما حدث له ظلم أو حزن أو ألم، أما الشخص الذى لا يستطيع التكيف مع أمور الحياة فتكون صحته النفسية غير سوية، والشخص يستطيع أن يعمل ويحب بكفاءة ويخدم الآخرين، كلما أصبحت صحته النفسية جيدة.. باختصار الصحة النفسية تعنى أن يشعر الإنسان أن له قيمة ولديه حرية التعبير عن نفسه.

ما هو تقييمك لصحة المصريين النفسية؟
الصحة النفسية لمعظم المواطنين فى مصر غير سوية بالمعنى العام.. والسبب.
كثرة الإحباطات التى تصيب المواطن المصرى، أدت إلى عدم قدرته على الصمود، الفقر والظلم وانعدام العدالة، الفساد، والبطالة، الازدحام وتردى التعليم والصحة، كل هذه الأشياء تجعل قدرة الفرد على التكيف أقل، فتلاحظين أنه مع كل حادثة فى الشارع، يتشاجر الناس مع بعضهم بدون داع، فلم يعد أحد يتحمل الآخر، المساءلة غير موجودة فى مصر، لذا من الممكن أن يصل من لا يعمل إلى منصب عال، وفى المقابل نجد أن شخصاً آخر يعمل ولا ينال حقه، فلا أضمن لك أن تعملى، وفى نفس الوقت تصلين إلى أعلى المناصب، العمل الجاد والعلم لا يوصلان إلى أى شىء فى مصر.
فالإنسان المصرى لم يعد يشعر بآدميته سواء فى التعامل مع الشرطة أو المؤسسات الحكومية أو القضاء أو غيره، فمن أين تأتى الصحة النفسية إذن.


وما هى آثار غياب الصحة النفسية على المصريين؟
عدم وجود الصحة النفسية يعنى السلبية واللامبالاه، ضعف الإنتاج، عدم التطور والتقدم، ويتحول الشارع إلى حالة من الحقد، فتجدين الطفل خلال سيره يجرح سيارة بمسمار، أو يرمى قشرة موز فى الشارع ليؤذى الناس، وكل هذا يعنى أننا لا نحب البلد.


هل للاقتصاد علاقة بانكسار الشخصية المصرية وتدنى إنتاجها.. أحياناً نلاحظ عدم رغبة البعض فى العمل.. ومن يعمل لا يجيد عمله.. وأصبح من الطبيعى أن تسمع العامل يردد «على قد فلوسهم».. وينسى أنه قبل من البداية أن يعمل مقابل هذه القيمة.. أو أنه يعلم مسبقاً أن الحكومة رواتبها ضعيفة، وبعد تعيينه فى الوظيفة يبدأ فى الإهمال مدعياً ضعف الرواتب؟
التغيرات الاجتماعية والسياسية فى السنوات الماضية أثرت فى نفسية الفرد، حتى أصبح غير منتج، ولا أرى حلاً طويل المدى لتحسن الاقتصاد إلا بتغيير نفسية الفرد وإحساسه بالانتماء، والأهم هو البدء فوراً فى عملية التغيير النفسى، الذى يجب أن يسبق التغيير السياسى والاقتصادى، لأنه ينبع من العمق والإقناع، أما التغييرات الأخرى فهى تمتلئ بالخوف والإرهاب، وهى وقتية وزائلة، ولا أمل فى تحسين الاقتصاد إلا بظهور الحرية والديمقراطية التى تنمى وتنضج الشعب، حتى يتحمل مسؤوليته مع الحاكم ويشاركه فى السراء والضراء لأنه لن يتحمل ذلك وهو مكبل اليدين، إن حماية الأمن وازدهار الاقتصاد يتوقفان على إحساس الفرد بالانتماء.


لكن مركز المعلومات أصدر دراسة مفادها شعور عدد كبير من المصريين بالانتماء؟
المشكلة فى مصر أنه ليس لنا قدوة فى البلد لتعلم الشباب حب البلد والانتماء، ومن أين يأتى الانتماء فى بلد لا توجد فيه شفافية، لا أحد يعلم لماذا تتم إقالة وزير ما أو كيف يختار الآخر، لا أحد يعلم ماذا يحدث فى البلد المسألة مرتبطة بنزوة الحاكم.. من يخطئ لا يعاقب، والعقاب مقتصر على الفقير، وتداول السلطة غائب.. والأخوة فى الحزب الوطنى لا يفهمون أن وجود أحزاب معارضة معناه أن يسعى الحزب للوصول إلى السلطة، وهو هدف نبيل وطبيعى لكن الحزب الوطنى يراه هدفاً غير نبيل، ولا يجوز لأى حزب أن يسعى إليه، وإلا اعتبرت جريمة، كل ذلك يجعل المواطنين بدون انتماء.


هل تثق فى دراسات مركز معلومات الوزراء؟
هى مجرد مسوح تتوقف على طريقة اختيار الناس الذين يمثلون عينة الدراسة وفى مصر حينما تسأل أحداً: هل أنت سعيد؟ يقول لك الحمدلله، فهل هذه الإجابة تعنى السعادة، وهل يمكن القول بعدها إن الشعب المصرى سعيد.

ماذا عن أزمة الثقة التى يعيشها المجتمع الآن، وهل هى إحدى دلالات اعتلال الصحة النفسية؟
مركز معلومات مجلس الوزراء الذى سبق وأكد سعادة المصريين، هو نفسه الذى قال فى دراساته إن ٨٢٪ من المصريين لا يثقون فى بعضهم البعض، ولا فى الحكومة ولا فى المرؤوسين، وإن الأباء والأبناء لا يثقون فى بعضهم.
وهناك كتاب لكاتب يدعى كوفى، اسمه سرعة الثقة، يشير إلى أن نسبة الثقة بين الناس فى الولايات المتحدة ٦٠٪.. وتراجعت فى عهد بوش إلى ٤٠٪ وفى بريطانيا ٤٠ وتركيا ٨٢٪ والبرازيل ٨٢٪ لكن كوفى رفض تقييم الثقة فى البلاد العربية إهمالاً لنسبها الضعيفة، وجاءت البلاد الأفريقية أعلى منا فى مدى ثقتهم فى بعضهم البعض.


هل للديمقراطية أو الديكتاتورية يد فى اعتلال الصحة النفسية أو تحسنها للشعب؟
الديكتاتورية لا تظهر إلا فى شعوب تتميز بعدم النضج، فالحاكم الأوحد يحب أن يحكم شعباً فى مرحلة الطفولة، وقد استطاع الاستعمار منذ مئات السنين أن يجعل شعبنا طفلاً، ثم تولى المصريون حكمهم بواسطة قيادات كان أولى بها أن تنضج هذا الشعب وتزرع فيه روح المسؤولية والمشاركة، غير أن هذه القيادات كانت امتداداً لمسلسل القهر والضغط والكبت، فأصبح الشعب أكثر طفولة بمعنى عدم النضوج الانفعالى، والدفاعية وعدم المثابرة وعدم الانتماء وأصبحت الشخصية النفسية منكسرة.

الأمراض النفسية للمسؤولين فى الدولة هل تنعكس على قراراتهم وبالتالى على الشعب؟
أى قرار صادر من مختل يؤثر بالطبع على الناس.

ما هى أشهر أمراض المسؤولين فى الدولة؟
السلطة.. فهى مرض، وحبها يَجُبُّ حب الأب والأم، فكم من آباء تخلصوا من أبنائهم من أجل السلطة، وكم من أبناء تخلصوا من آبائهم من أجل السلطة، وأقرب مثال فى عمان وفى قطر، والحبيب بورقيبة وتيتو اللذان سجنا زوجاتهما من أجل السلطة، وحب السلطة ليس فقط فى السياسة ونجد مثلاً أستاذ فى الجامعة يظل لسنوات ويطلب المد له حتى يبقى محتكراً للعلم والمنصب، ويكون لدى محب السلطة شعور دائم بوجود محاولات للتخلص منه، وأبرز مثال على ذلك قصة استانلى الذى كان يقول إن من حوله يضعون له السم فى الأكل، وعندما تم عرضه على الأطباء قالوا إنه يعانى من البارانويا، لحرصه على السلطة، وأنه يحتاج إلى علاج، ولما قالوا ذلك أمر بإعدام الأطباء.

نفسياً هل يمكن للشخص أن يعطى كل حياته للمنصب، أم أن هناك لحظة لا يستطيع فيها تقديم المزيد؟
طول مدة السلطة تخلق حالة من الجمود، ويتلاشى التجديد مهاتير محمد نموذج لرئيس يمتلك الشجاعة وقوة الشخصية، فقد أعطى بزخم، وعندما أحس أنه لا جديد لديه أعلن تنحيه عن منصبه، ليتركه لدم جديد، وهذا أمر يحتاج إلى أن يكون الرجل يتمتع بالصحة النفسية.
مثال آخر، وهو نيلسون مانديلا الذى سجن ٣٧ عاماً وخرج وجلس ليحكم لمدة ٣ سنوات، قبل أن يترك منصبه، ولم يفكر فى الانتقام لسنوات سجنه بالجلوس أطول مدة ممكنة على العرش.
والطبيعى فى كل بلاد العالم أن الذى يجلس على كرسى الحكم مدة طويلة يشك فى كل من حوله، ويصل إلى مرحلة لا يستطيع أن يقدم لبلده شيئاً وينحسر كل تفكيره.. كيف يستمر فى السلطة وهى تماماً كما قالها الأستاذ هيكل «السياسة فى مصر هى حب البقاء».


وأنت تتابع تصريحات المسؤولين والوزراء وقراراتهم السياسية من هو الوزير أو المسؤول الذى ترى أنه فى حاجة لزيارتك؟
ضحك قائلاً سأجيبك بطريقة مختلفة.. كتب أحمد رجب فى «نصف كلمة» أن هناك وزيران يعالجان لدى طبيب نفسى كبير.. فاتصلت به معقباً إذا كان هناك وزيرين يعالجان من مرض نفسى فهذا أحسن كثيراً من باقى الوزراء الذين فى حاجة إلى علاج ولا يذهبون للطبيب، وضحك الدكتور عكاشة ولم يكمل باقى الإجابة واكتفى بما قال.


أعدت عليه السؤال بطريقة أخرى عله يجيب فبادرنى بالقول:
المسألة ليست فقط خللاً أو مرضياً نفسياً، الأزمة أن هناك وزراء وصلوا إلى مناصب وهم ليسوا أهلاً لها، الوزراء «بيدربوا سياسة فينا» فلا يشترط أن أفضل جراحاً يكون وزيراً للصحة، ولا ضابطاً فى الشرطة وزيراً للحربية، وكل هذا لم يظهر إلا بعد الثورة فأحسن وزير داخلية قبل الثورة، كان فؤاد سراج الدين كان محامياً وليس ضابط شرطة، لا توجد سياسة فى مصر نحن حرمنا طلاب الجامعة من ممارسة السياسة منذ ٥٠ سنة، فكيف لنا أن نخرج كوادر سياسية.


ذكر لى المستشار عدلى حسين فى حوار لـ«المصرى اليوم» أن أكبر عقاب للحكومة، هو أن يستغنى المواطن عنها كما هو الآن.. فما رأيك فى ذلك؟
المواطن بدأ بالفعل يستغنى عن الحكومة فى كل جوانب المعيشة، يعنى مثلاً بدأ يقيم الأماكن العشوائية بنفسه، ويستغنى عن الكهرباء والمياه والصرف الصحى، وهذه العشوائيات يمكن استقطاب أهلها بسهولة، واتجاه الشباب للتطرف، ما هو إلا إسقاط لحالة اليأس الداخلى وشعوره بالاغتراب داخل وطنه، وعن طريق تقديم قليل من الخدمات مثلاً من قبل المتطرفين يمكن ضم شباب العشوائيات إلى صفوفهم، مثل إنشاء مستوصف أو تزويج أبنائهم، فى الصعيد حينما تحدث عملية قتل يأخذون بالثأر ولا يلجأون للحكومة، وما يحدث الآن هو نوع من الانفصام والفجوة الشديدة بين الشعب والحكومة، إضافة إلى أن بطء التقاضى وازدحامه، جعل المواطن ويأخذ حقه بنفسه، فانتشرت السرقة والنهب والبلطجة، وبالتالى كلام المستشار عدلى حسين صحيح تماماً.

إذا تحدثنا عن الإضرابات المهنية.. هل تعد حالة من استعادة الصحة وإفاقة من سلبية دامت سنوات؟
للأسف لا.. وحزنت كثيراً لأن كل الإضرابات فى مصر إضرابات مهنية، من أجل لقمة العيش، وليست لهدف قومى، وكلها كانت بحثاً عن زيادة فى الراتب وتحسين أوضاع فى العمل وكل فئة مهمومة بمشاكلها فقط.


وماذا عن إضراب ٦ أبريل وكيف قرأته؟
٦ أبريل لم يكن له هدف عام ولا قيادة جيدة، إضافة إلى أننا دولة بوليسية، وأى محاولة من أى شخص أو حزب يحاول أن يصل إلى السلطة، يوقفه الحزب الوطنى عند حده، ويمنع احتجاجه وإضرابه، وإن كانت الإضرابات فى حد ذاتها أمراً جيداً، ولكن هذا كان له هدف وقيادة كاريزيمة، تدفع الناس للالتفاف حولها، وهنا لا يسعنى إلا أن أحيى الحكومة التى أوصلت المواطن المصرى إلى هذا الحال المخزى، وأقول لها إنه فى وقت الزنقة سينضم الأمن إلى الشارع.


وما هو وقت الزنقة؟
عندما يحدث استبداد وظلم.


البعض يعانى من ظلم واستبداد ومع ذلك لم يحدث شىء؟
ابتسم قائلاً: كل شىء له وقته.

يقول البعض إن هذه الحكومة من هذا الشعب، فلو أنها فاسدة فالشعب أيضاً فاسد؟
«سمعتى النكتة التى تقول «إن مسؤول مصرى كبير ذهب لمقابلة الرئيس الأمريكى الذى قيل له أمريكا بلد ديمقراطية تعطى المواطن ٣ آلاف دولار شهرياً ولا تسأله فيما ينفق ماله، فرد عليه المسؤول المصرى قائلاً: الموظف فى مصر دخله ٤٠٠ جنيه لكنه ينفق ٣٠٠٠ شهرياً فسأله الرئيس الأمريكى، ومن أين يأتى بباقى دخله، فأجابه المسؤول المصرى، نحن بلد ديمقراطى لا نسأل المواطن من أين حصل على ماله».

ولكن ما تقوله يؤكد إحصائية مركز دعم واتخاذ القرار والتنمية الإدارية «إن عدد المرتشين من عينة البحث فى الجهاز الحكومى وصل إلى ٦٠٪ من العاملين فى القطاع الحكومى؟
هذا ما يسمى بالاقتصاد الموازى، فقد ابتدع المواطن المصرى-لفقر الحال وزيادة أسعار وتكاليف كل شىء فى الحياة- مصادر أخرى للدخل بعضها مشروع وبعضها غير مشروع، والدليل.. هل من الممكن أن يصدق أحد أن عدد من لديهم موبايل فى مصر ٤٥ مليون نسمة، فى بلد عدد سكانه ٨٠ مليون نسمة، بل وبلد فقير، وأكثر ما يثير التناقض فى القرى، أن تجديهم يغسلون ملابسهم فى الترعة، وعندهم دش وأبناؤهم لديهم موبايلات، فهذا يعكس تفشى ثقافة التفاهة، فنحن شعب ليس لدينا أولويات.

لكن ربما يكون «الدِش» لدى الغلابة والفقراء، محاولة للتخلص من الإحباطات التى تحيط بهم؟
بالعكس، الدش معناه إحباط مضاعف، لأنه يطلع المواطن البسيط على الرفاهية الشديدة من حوله، فالإعلام مثلاً يعرض أسعار الفيلات بـ٣ ملايين، والشاب لا يجد شقة «إيجار»، وأرى أن الإعلام أصبح أقوى من المدرسة ومن الأبوين، ومع تناقض المؤثرات التى تحدث فى الإعلام وعدم وجود خط واضح، جعل الشاب فى حالة من الحيرة والتناقض، واللامبالاة والقابلية للإيحاء تصبح خطيرة، ويكون عرضة للانتماء لأى مذهب يعرض عليه.

إذن الإعلام جزء من معاناة الشعب المصرى النفسية؟
بل جزء من انتشار الجرائم فى المجتمع.

كيف؟
عندما تنشر أخبار عن الاغتصاب والقتل فى الصفحة الأولى فإن جريمة الاغتصاب تتزايد، وثبت رسمياً أن الكلام عن ظاهرة معينة بصفة مستمرة يزيد من حدة هذه الظاهرة، لأنه يحدث نوعاً من أنواع التحصين للإنسان، فيقبل شيئاً لم يكن يقبله، التليفزيون فى مصر أقوى أجهزة إعلامنا نفوذاً وتأثيراً، وهو مع السينما يساهمان بفاعلية فى توزيع العلل النفسية والتشوهات الاجتماعية على الجميع بالعدل والقسطاس، وأثبت العلماء أن تأثير التليفزيون على عقول ونفسية الأطفال والشباب الناضجين تفوق الأسرة والمدرسة، لذا فإن معظم الدول المتحضرة تتجه بطريقة علمية إلى تقديم مواد من خلال هذا الجهاز الخطير لتنمية الشخصية والعقول والأفكار، والتليفزيون المصرى فى حاجة إلى مسؤولين يدركون هذا الأمر على أن تكون الأهداف أمامهم واضحة، ولا يكون اختيار المواد عشوائياً كما نرى الآن.

فعلاً أصبحنا نعيش عالماً دموياً، القتل فى كل مكان، وأخبار ذبح البشر تملأ الصحف، ولكن البعض يرجع الظاهرة إلى العامل الاقتصادى؟
لا، بل لغياب الهدفين العام والقومى وغياب القدوة يجعل الإنسان غير قادر على التضحية، ومن ثم يكون فردياً، وبما أن الإنسان لا يستطيع العيش فردياً بلا مجموعة، فهو يبحث دائماً عن الهرب، إما إلى الإدمان أو إلى الدين هروباً من الواقع الأليم، وحتى العنف سواء القتل أو الاغتصاب، هو نوع من تحطيم الذات غير المباشر، لأن الإنسان يعلم أن نهايته ستكون الموت أو السجن والانتحار، لا يكون فقط بقتل الذات، ولكن نتيجة لسلوك يؤدى إلى القتل.

الشباب يدخنون المخدرات فى العلن على المقاهى وفى الجامعات، كما أصبح إدمان الخمور أمراً طبيعياً، ناهيك عن البودرة والحقن وغيرها، فإلى أين يتجه المجتمع المصرى، وكيف تعرف الأسرة أن ابنها مدمن؟
هناك علامات كثيرة تدلك على دخول الابن إلى الإدمان، منها الانطوائية والانعزال بشكل غير طبيعى، الإهمال فى الاهتمام بالنفس، وعدم العناية بالمظهر، الكسل الدائم والتثاؤب المستمر، إضافة إلى شحوب فى الوجه، عرق، رعشة فى الأطراف، الهياج لأقل سبب، فقدان الشهية، الهزال والإمساك، الإهمال فى النواحى الدينية، وعدم الانتظام فى الدراسة أو العمل، اللجوء إلى الكذب والخدع والحيل، من أجل الحصول على مزيد من المال، ولكن علينا أولاً أن نؤكد أن الأسرة هى التى تدفع بالشاب إلى الإدمان،
فمن البيت تبدأ الكارثة، فانشغال الأب والأم بالعمل وأحياناً بالسفر خارج الوطن وازدواجية الأم فى التعامل مع ابنها، فهى تحيطه بالحنان والدلال، وفى الوقت نفسه تتحول إلى الغضب الجارف والمعاملة الغليظة، وهذه الازدواجية تفرز شاباً (مدمناً)، كذلك الأب الذى يحقر من زوجته أمام أولاده أو معايرة الابن بالفشل والتنبؤ له بعدم النجاح تدفعه تجاه الإدمان، وطبعاً أسوأ ما يمكن أن يحدث فى حياة الابن أن يكون الأب مدمناً، إضافة إلى الأسباب المجتمعية، مثل التشكيك فى القيادات والمسؤولين، والتشكيك فى التاريخ والقيادة والقدوة، لأن ذلك يشعر الشباب بالاغتراب واليأس وفقد الأمل والهروب من الواقع.

إلى أى مدى تؤثر الصحة النفسية على الصحة العضوية؟
الصحة النفسية تعطى جودة الحياة، إذا اعتلت الصحة النفسية يضعف جهاز المناعة ويصاحب ذلك أمراض فى الجهاز الهضمى، وبعض أمراض السرطانات والسكر والضغط والقلق والاكتئاب، وأثبت بحث علمى أن ٤٨٪ من الناس يعانون من الضغط العالى يسكنون المدن، و١٩٪ فى الأرياف، والاكتئاب الجسيم أصيب به مليون وثلاثة أرباع المليون، وأرجع الأمر للصحة النفسية ومعدلاتها بين الريف والحضر.

هل الإصابة بالسرطان نتيجة للإصابة بالاكتئاب، وما أنواع السرطان التى تسببها الأمراض النفسية؟
سرطان الثدى والقولون من الأمراض التى تسببها الأمراض النفسية، وعموماً صحة المصريين النفسية والعضوية فى خطر حقيقى.. فلينتبه الجميع!

المُفسِدون في الأرض (5)

المفسدون في الأرض (5)
الحجاج بن يوسف الثقفي نسيب إبليس!
عندما يكون الحديث عن نوع جديد من الفساد يتمثل في ممارسة أعتى أنواع القتل والتعذيب وضرب المقدسات باسم السلطة وحماية الدولة... عندما يُقنن العدوان على النفس التي حرّم الله المساس بها إلا بالحق ويتحوّل لأمر مُبرر وواجب لحفظ النظام... عندما يكون الخوف هو العلاقة الوحيدة بين الحاكم والمحكوم، وعندما نتحدّث عن الرجل الذي فعل كل هذا... فنحن -بالتأكيد- نتحدّث عن "الحجاج بن يوسف الثقفي".. رجل بني أمية القوي وسيفهم البتّار.

هو من أكثر الشخصيات التاريخية إثارة للجدل. أقلية رأته مظلومًا متحاملاً عليه من قِبل المؤرخين، وأغلبية أجمعت على أنه أعتى الظالمين وأن عهده كان نكبة على دولة العرب والمسلمين وعلى الإنسانية كلها.. ولأن أعمال المرء هي التي تقيّمه، فإن كفة القائلين بالرأي الثاني هي التي ترجح.. إذ إنه -أي الحجاج- فعل من الفظائع ما لا يمكن تجاهله، ونحن إذ ننظر إليه نجد أنفسنا ننظر لشخصين مختلفين. فهو من جانب.. رجل صوّام قوّام مُصلي، خاشع في الصلاة دامع العين عند ذكر الله، مشجع على التفقه في الدين ودءوب على إرسال السرايا والجيوش للغزو في سبيل الله. ومن جانب آخر... سفاح سفاك للدماء جريء على الظلم والبطش يمكنه أن يذبح مئات الأبرياء دون أن يطرف له جفن! شخصية لا يحتاج عرضها إلى مؤرخ بقدر ما يحتاج إلى محلل نفسي لهذا الرجل الذي نشر نوعًا خطيرًا من الفساد الفكري يتمثل في مبدأ "كل شيء مباح لحماية الأمن والنظام، ولو كان الثمن أرواح الأبرياء وأمنهم ذاته"! ذلك المبدأ الذي استمر إلى يومنا هذا، ولكن بصور وأشكال مختلفة.

صعود الحجاج

كان الحجاج رجلاً من قبيلة ثقيف التي تعيش بالطائف يعمل كمعلم للأطفال، يعلمهم القرآن الكريم والأحاديث الشريفة. لكنه شعر أن الطائف تضيق عن طموحاته العريضة، وساهم في شعوره هذا سوء تصرف ولاة الطائف الذين عيّنهم عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- الذي كان قد أعلن نفسه خليفة على الحجاز والعراق.

هؤلاء الولاة كانوا يُسيئون معاملة أهل الطائف بشكل زرع في نفس الحجاج يقينًا أنه لن ينال حقه في الاحترام إلا إذا أصبح من ذوي السطوة والقوة، فهاجر إلى دمشق عاصمة خلفاء بني أمية الذين كانوا ينافسون ابن الزبير على السيادة على الحجاز وأرض العراق. وبالفعل سافر الحجاج وانضم لشرطة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي كان يشكو تراخي رجال شرطته وافتقادهم الضبط والربط، فاستغل الحجاج ذلك وأظهر لزملائه من البأس والالتزام ما زرع في قلوبهم هيبة منه ودفع رئيسهم "رَوح بن زنباع" إلى ترقيته وتقديمه للخليفة الذي استشعر مواهبه القيادية فجعله من قواد حربه ضد أعداء السلطة. وهكذا، أصبح الحجاج -وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره- أحد كِبار رجال الدولة الأموية.

جبروت الحجاج وجرائمه

أبدى الحجاج -من البداية- غلظة قلب شديدة في إدارته لما وُكّل إليه من مهام. فحين وُكلت إليه مهمة تجنيد أهل الشام في الجيش أعلن بشكل صريح أن على كل قادر على حمل السلاح الخروج مع الجيش وإلا قُتِل وحُرِقت داره. ولكي يُثبت جديته قام بقتل رجل لم يستطِع تنفيذ الأمر لمرضه بالفِتاق، بل وكان يبادر بقتل أي شخص يُبدي ولو تبرمًا بسيطًا من أمر يوجهه أو قول يُعلنه، بغض النظر عما إذا كان هذا الشخص شابًا أم شيخًا مريضًا أم رجلاً من العبّاد أو الفقهاء. وكان يقول -ويُقسم- إنه لو أمر الناس بالخروج من أحد أبواب المسجد فخرجوا من الآخر، لحلّت له دماؤهم وأموالهم!

بل ولم يكن يوقفه عند حده كون خصمه أحد الصحابة أو التابعين، فعلى سبيل المثال، كان الحجاج -خلال ولايته على الحجاز- يتعمّد الإساءة لأنس بن مالك -رضي الله عنه- ومضايقته واضطهاده كل حين هو من سواه من الفقهاء والصالحين. فقد كان يؤمن -كما أعلنها قبل ذلك- أن هؤلاء يُحدّثون الناس عن سِير الخلفاء الراشدين فيجعلونهم يُقارنون بينهم وبين خلفاء بني أمية، فيستصغرون شأن الأمويين. وذلك كان يجعل من سياسته أن يهين الصالحين وأهل الحديث ليمنعهم من التحدّث إلى الناس بالحق.

وكان أكثر كلامه في خطبه لمن تولى أمرهم، كأهل العراق بعد أن وضع الأمويون يدهم عليها تهديدًا ووعيدًا. فقد قال في خطبته لأهل العراق حين عُيّن واليًا عليهم: "يا أهل الكوفة (عاصمة العراق).. إني لأرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، وإني لأنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى!". هذا فضلاً عن ما جاء في خطبته الشهيرة تلك من "وصلة" طويلة من السب واللعن والذم في رعيته وتهديدهم بكل شنيع من العقاب.. مما ينطبق عليه بشدة قول: "أول القصيدة كُفر"!

ولم يتوقف بإساءاته وبذاءة لسانه عوام الناس فقط، بل امتد بذلك إلى أنبياء الله، فوصف نبي الله سليمان -عليه الصلاة والسلام-بأنه "حسود" تعليقًا على دعاء ربه أن يهبه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده!

وكانت فيه جرأة على الإفتاء في الدين بما ليس له به علم بل وفرضه بقوة السلاح وتحت التهديد بالقتل. فقد أفتى بعدم جواز قراءة القرآن على قراءة الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وكان يقول إنه لو وجد مصحفًا به القرآن على القراءة المذكورة لكشطه ولو بضلع خنزير، ثم يتبع قوله هذا بسبّ ابن مسعود والقول بأنه لو كان عبد الله بن مسعود حيًا لقتله.

أما الجريمة الأكثر شهرة للحجاج فقد كانت ضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق عندما حاصر مكة المكرمة وتحت إمرته جيش الشام الأموي؛ من أجل أسر عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- وتوطيد مُلك بني أمية في الحجاز، بعدما وطده في الشام والعراق.

كان ابن الزبير قد اتخذ مكة عاصمة لخلافته ورفض مبايعة بني أمية؛ لأنه رأى فيهم مغتصبين للحكم ومغيرين للنظام الإسلامي لسياسة المسلمين. فقام عبد الملك بن مروان -الخليفة الأموي الخامس- بإرسال الجيوش؛ لطرد رجال ابن الزبير من العراق ومكة والمدينة. كان عبد الله بن الزبير قد تحصّن في مكة وشحنها بالرجال والسلاح، فأمر الحجاج جيشه باتخاذ المواقع للحصار من فوق الجبال المحيطة بمكة. وقام بنصب المجانيق على قمم الجبال لقصف البلد الحرام! وبالفعل انطلقت القذائف الصخرية والمشتعلة نحو البلدة المقدسة وبلغت الكعبة التي أصابتها الشروخ واشتعلت فيها النيران -كل هذا بجرأة بالغة وعين لا تطرف- وعندما هوت صاعقة على أحد المجانيق فأحرقته وقتلت بعض العاملين عليه شعر المقاتلون أن تلك الصاعقة غضب من الله لانتهاك حرمة بلده الحرام، فسارع الحجاج بالقول إن تلك الصاعقة علامة على رضا الله لا سخطه، مبررًا ذلك بأن هابيل وقابيل ابني آدم -عليه الصلاة والسلام- عندما قرّب كل منهما قربانًا لله ورضا الله عن قربان هابيل، أرسل من السماء لسانًا من نار فالتهمه، فتلك الصاعقة لسان النار الذي يعلن رضا الله عما يفعل جيش الحجاج! -وهو قول لا يصدر إلا عن رجل بلغت جرأته على الله ومقدساته درجة مخيفة!

استمر ضرب مكة واشتد الحصار وبدأ أتباع ابن الزبير يتخلون عنه حتى صار وحده، لكنه أصرّ على الصمود فاقتحم الحجاج وجيشه الحرم المكي وقتلوا عبد الله بن الزبير وقطعوا رأسه وصلبوا جسده منكسًا؛ ليعلن جريمة وحشية جديدة للحجاج.

تلك الفعلة الشنعاء -على فظاعتها- لم تكن أشد مما اعتاد عليه الحجاج من سفك لدماء الناس، التي يقول الدين إنها أكثر حرمة من مكة ذاتها! فقد كان غشومًا مسارعًا للخوض في الدم والقتل والاعتقال لمجرد الشبهة، حتى أنه حين مات كان قد بلغ عدد قتلاه مائة وعشرون ألف نفس، وعدد مَن في سجونه ثمانون ألف مسجون منهم ثلاثون ألف امرأة! وهي أرقام ضخمة في زمننا هذا فما بالنا بزمن الحجاج حيث كان عدد الناس أقل!

ما قيل عن الحجاجولأن الحجاج كان "حالة" صارخة شديدة الشذوذ نفسيًا وسلوكيًا، ولأن أفعاله كانت قد بلغت خطورة مخيفة، فقد أثار أقاويل الناس. بل أنه ذُكِرَ في الأحاديث قبل حتى أن يُولد! فقد تنبأ الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن قبيلة ثقيف سيخرج منها "مبير" أي "مُهلِك قاتل". وقال الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه وكرّم وجهه- إن ثقيفًا سيخرج منها فتًى يقال له يوم القيامة "أكفنا إحدى زوايا جهنم". وقال عنه أيضًا فيما جاء في الحديث إنه سيأتي من ثقيف فتى لا يَدَع معصية إلا ارتكبها ولو كان بينه وبينها باب لكسره. كما قال عنه الخليفة عبد الملك بن مروان إن بينه وبين إبليس نسبًا، وقال عنه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه: "لو جاءت كل أمة بخبثها وجِئناهم بالحجاج لكفيناهم". بل وقد قال عنه أبوه نفسه -قبل أن يتولى الحجاج أي من وظائف السلطة: "إنه -أي أباه- ليرى الله جعله جبارًا شقيًا".

نهاية الطاغية

بينما هو يعيش نشوة انتصاراته وأوج قوته، فاجأ المرض الحجاج بن يوسف فسقط سريعًا أمامه، وعاش أواخر أيامه يتعذّب من آلام مرض موته، ويقال إن جوفه أصابه التعفّن حتى كان الدود يعيش فيه. وكان كلما تلوى ألمًا يقول: "أصابتني دعوة سعيد بن جبير". وسعيد بن جبير رجل من فقهاء مكة من التابعين، قتله الحجاج لخروجه عليه. فدعا عليه ابن جبير قبل موته، فضلاً عن آلاف الدعوات واللعنات التي استنزلها عليه كل من أحرقتهم نار طغيانه.

شكل جديد من الفساد

كان الحجاج يُمثل "حالة" فريدة من نوعها؛ لأنه كان يجمع التناقضات في القول والفعل. وهذا هو نوع الفساد الذي كان يمثله. فتلازم ما به من عنف ودموية وجرأة على المحرمات مع ما كان يظهر منه مِن عفة يد عن مال الدولة وخشوع صادق في الصلاة وبكاء عند زيارة القبور وذكر الموت وأمر الآخرة، ومسارعته لإرسال المجاهدين للفتوحات في الهند والصين، يجعل المرء يحار في أمره، ويفتن ضعاف العقول والتفكير فيحسبونه على حق فيما يفعل ويبررون جرائمه بأنها من ضرورات السياسة وحفظ أمن الدولة. الأمر الذي يعني أن ضرر فكر الحجاج ومنهجه في السياسة لم يقف عند حد "الواقعة التاريخية الشاذة"، بل إنه يتجاوز ذلك ليُصبح "مدرسة في السياسة وصاحب منهج في الحكم"، يبرر بعد ذلك للكثيرين أن يخوضوا في أعتى أنواع الطغيان والقمع بجرأة ظنًا منهم أن الحجاج ممن يُقتَدَى به في تلك الأمور.

كان الحجاج يَعتبر أن ما يفعله يقع تحت بند "الواجب" الذي لا يتم حفظ أمن البلاد إلا به. ففي ذلك الوقت كانت حركات التمرد التي قادها الخوارج على أشدها، وكانت الحركات الاستقلالية من بعض قادة الجيش الأموي في أوجها، وكان ابن الزبير يُسيطر على جزء كبير من الدولة الإسلامية. فكان الحجاج يرى أن تلك الظروف تقع تحت وصف "الطوارئ والضرورات التي تبيح المحظورات"، فكان ينفّذ سياسته الدموية لا بشكل عشوائي انفعالي بل بصورة منهجية منظمة، أي أنه -بمعنى أدق- كان يعرف جيدًا ما الذي يفعله وكيف يفعله ولماذا يفعله!!.. منفذًا سياسة معدة مسبقًا في ذهنه، ورؤية صاغها بعناية وهو يعتبر نفسه مجتهدًا إذا أصاب له أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد!

هذا هو شكل الفساد الذي يُمثله الحجاج، فهو ممن يصفهم علم الإجرام بأنهم "مجرمون أصحاب عقيدة"، وهم أخطر أنواع المجرمين، فهم يرتكبون جرائمهم وهم يؤمنون داخليًا أنهم على حق. والأخطر حين يصل أمثال هؤلاء للمناصب الأمنية أو السيادية، فعندئذ يُصبح الفارق الوحيد بينهم وبين المجرم في الصورة التقليدية له هو أنهم يحملون صفة رسمية بينما هو لا يحمل.

هكذا كان الحجاج... وللأسف فإنه لم يكن الحجاج هو الأول أو الأخير.. فمن بعده أتى آلاف مثله... فهو كما قلت ليس مجرد شخص.. بل هو مدرسة....
الكاتب: وليد فكري

مصادر المعلومات:
1- البداية والنهاية: ابن كثير.
2- علم الإجرام والعقاب: د.رمسيس بهنام.
3- ما وراء التعذيب: بسمة عبد العزيز.
4- تاريخ الشعوب الإسلامية: كارل بروكلمان.
5- الحجاج بن يوسف الثقفي في الميزان: محمد ناصح مؤيد العظم.
6- موسوعة عظماء حول الرسول: خالد عبد الرحمن العك.
7- موسوعة تاريخ العرب: عبدعون الروضان.
8- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: ابن تغري بردي.
9- رجال حول الرسول: خالد محمد خالد.
10- الجريمة: محمد أبو زهرة.
11- الأحكام السلطانية: الإمام أبو الحسن الماوردي.
12- النظام السياسي للدولة الإسلامية: د.محمد سليم العوا.
13- خلفاء الرسول: خالد محمد خالد.
14- عمر بن عبد العزيز: عبد الرحمن الشرقاوي.
15- تاريخ قريش: د.حسين مؤنس.
16- الطغاة والبغاة: د.جمال بدوي.
17- أبناء أبي بكر الصديق: عبد الحميد جودة السحار.

المُفسِدون في الأرض (4)

المفسدون في الأرض (4)
فتنة المسلمين الكبرى
فتنة سوداء عاصفة, تلك التي اجتاحت المسلمين بعد اغتيال عمر بن الخطاب وتولي عثمان بن عفان -رضي الله عنهما-الخلافة. فتنة دامية حمل فيها المسلم السلاح في وجه أخيه, بعد أن كانت الأسلحة لا تُرفَع إلا على الفُرس والروم وأعداء الإسلام. فتنة أيضًا في الدين.. جعلت فيه ما ليس فيه من تأليه لبشر ودمج للأفكار الوثنية في صلب العقيدة!فتنة.. أجمع الكل أنها نتيجة مؤامرة من هؤلاء الأعداء سالفي الذكر, وإن لم يتفقوا على مدبر واضح لها إلا أن اسمًا واحدًا تردد بشدة تحت أصابع الاتهام, اسم "عبد الله بن سبأ"!

توفي عمر وجاء عثمان, فارق كبير بين الأول والآخر, وأمر طبيعي أن تكون لكل منهما سياسته ورؤيته في الإدارة والحكم. وسياسة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كان لها كثير من المعارضين, وهم بين غير مقتنع ببعض مظاهر تلك السياسة, كعلي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري -رضي الله عنهما- أو من يرون أن الإمام علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- أولى بولاية أمر المسلمين, كسلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص "رضي الله عنهما". ولكن تلك المعارضة لم تخرج عن حدود الاختلاف الطبيعي في الرأي بين رفاق رحلة الكفاح الطويلة لرفع كلمة الإسلام, ولم تصل لمرحلة "رفض ولاية عثمان" أو الدعوة للخروج عليه. كانت معارضة عاقلة تفاعل معها أمير المؤمنين عثمان بن عفان بحكمة ورُقي, كما يجب للمعارضة أن تكون, وكما يجب للحاكم أن يفعل.ولكن تلك الصورة الجميلة تلوثت بدم عثمان بن عفان الذي قتله بعض الغوغاء الذين تمردوا عليه وانتهكوا حرمة المدينة المنورة -عاصمة الدولة- فدخلوها بسلاحهم وحاصروه ومنعوا عنه الماء واقتحموا داره وسفكوا دمه وأدخلوا على الدولة الإسلامية سُنة الجرأة على قتل الخلفاء!تلك الجريمة تمت بتنظيم وتنسيق كبير, لعب فيه "عبد الله بن سبأ" دورًا رئيسيًا.

عبد الله بن سبأ وجرائمه

وعبد الله بن سبأ يهودي يمني من أم حبشية, ولهذا كان يقال له "ابن السوداء", ادعى اعتناق الإسلام ليتمكن من الكيد له على المستويين الأمني والعقائدي. من حيث تآمره على أمن الدولة الإسلامية, قام ابن سبأ بجولة في مدينتي الكوفة والبصرة (في العراق), وجولة مماثلة في مصر, لحشد المتعاونين معه من المتمردين على حكم عثمان بن عفان, وإقناعهم بضرورة تصعيد المعارضة لنقطة الثورة المسلحة ضده. مسعى ابن سبأ كان عسير التحقق لولا وجود أرض خصبة له.

فابن سبأ أجاد اختيار من وجّه لهم خطابه الخطير, فقد وجهه إما للناقمين على قريش تسيّدها للدولة الإسلامية, أو للرافضين لبعض ما استحدث عثمان بن عفان من سياسات وقرارات إدارية, أو لمن يحملون ضغائن شخصية تجاه الخليفة, بالإضافة لأن كل هؤلاء كانت النسبة الأعلى منهم ممن ليست لهم صحبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- فكانت هيبة الصحابة عندهم أقل من غيرهم, وإلا ما كانوا ليفكروا مجرد التفكير في رفع السلاح في وجه صاحب رسول الله وصهره وخليفة المسلمين!

كان أكثر عنصر استغله ابن سبأ ومن تعاونوا معه في تلك المؤامرة الكبرى, ذلك الخلاف الكبير في الآراء بين بعض كبار الصحابة وعثمان بن عفان -رضي الله عنهم جميعًا- فعلي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- كان يُعارض اعتماد عثمان شبه الكامل على أقاربه في ولايات الدولة, وعمرو بن العاص -رضي الله عنه-كان يعارض سياساته في إدارة مصر, وأبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- كان يرفض انتشار الترف ومظاهر الثراء العريض بين الصحابة, وغيرهم كثير اختلفوا مع الخليفة, لكن ما لم يفهمه الكثيرون ممن خرجوا مع ابن سبأ, هو أن تلك الخلافات لم تخرج عن نطاق اختلاف الرؤى ولم تكن تعني أنهم يدعون للثورة عليه أو خلعه أو قلته, مهما بلغت حدة الخلاف, وأنه من الطبيعي جدًا أن يختلف رفاق الكفاح فيما بينهم, بل هو أمر صحي وفيه سعة للمؤمنين طالما أن الخلاف بقي في نطاق الأمور المرنة التي تختلف باختلاف رؤية صاحبها.

ابن سبأ قام بعملية تكثيف لذلك الخلاف وجعل المتمردين يرونه في شكل دعوة صريحة من الصحابة المذكورين, ومن وافقهم الرأي, للخروج على الخليفة بخلعه أو قتله, بل وظهرت رسائل مزورة تحمل توقيعات كبار الصحابة وزوجات الرسول -عليه الصلاة والسلام- تدعو الناس لخلع عثمان وتعلن إهدار دمه! تلك الرسائل تزامنت مع جولات عبد الله بن سبأ في البلاد واستعداد من لاقاهم للخروج والتوجّه للمدينة لفرض رؤيتهم بقوة السلاح! أكبر دليل على زور تلك الرسائل وكذبها هو أن الصحابة الواردة أسماؤهم بها كانوا أقوى الناس دفاعًا عن حياة الخليفة عندما حوصِرَ في بيته, وكانوا كذلك أشرس المطالبين بالقصاص له بعدما قُتِل.

أما الجريمة التي ارتكبها ابن سبأ في حق العقيدة ذاتها فكانت الأكبر بحق! فقد بدأ يتسلل لأوساط المتعصبين للإمام علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- ويدس بينهم أفكارًا فيها تحريف للعقيدة, كانت هي بداية نشأة المذهب الشيعي في بلاد الإسلام.

فأولاً جاء ابن سبأ بفكرة "رجوع النبي", فقال: "عجبت لمن يقولون بعودة عيسى بن مريم ولا يقولون بعودة محمد", وقال إن تفسير قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] هو أن الرسول -عليه الصلاة والسلام-سيُبعث مجددًا ويعود ليعيش ويحكم بين المؤمنين! كما اختلق فكرة "الوصاية" وهي بقوله إن لكل نبيّ وصيّا, أي لكل نبي رجل يخلفه في قومه, وقال إن عليا وصيّ محمد.

لم يتوقف ابن سبأ عند اختلاق تلك الفكرتين اللتين لاقتا قبولاً من المتعصبين للإمام علي, دون أن يكونوا على علم سليم بالدين, بل تمادى وقال بحلول روح الله تعالى في علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- مما يعني ألوهيته! مقحمًا بذلك بعض مكونات الديانة الفارسية القديمة التي كان لها وجود قديم في مسقط رأسه اليمن -آنذاك- من حلول روح الإله في البشر, وأفكار تناسخ الأرواح, إلى آخر تلك الأفكار الوثنية التي سعى ابن سبأ لجعلها تتسلل للعقيدة الإسلامية.

مأساة عثمان

دعوة ابن سبأ لاقت رواجًا في المدن التي جال فيها, فخرج المتمردون منها وهم يُظهِرون رغبتهم زيارة البيت الحرام ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم فاجأوا الجميع بدخولهم المدينة وإثارتهم الفوضى ومجاهرتهم بالخروج على الخليفة, وكادت تحدث مجزرة مسلّحة بينهم وبين أهل المدينة والموالين لعثمان بن عفان, لولا تدخل علي بن أبي طالب ووساطته بينهم وبين أمير المؤمنين وسعيه لوصول أطراف الخلاف إلى حل وسط. وبالفعل نجح في ذلك حيث تحاور الطرفان -الخليفة والثوار- ووصلوا إلى اتفاق يرضاه الجميع حول نقاط الخلاف المثارة, مثل اعتراضهم على بعض الولاة, ومطالبهم بشأن بعض السياسات المالية للدولة... إلخ.. وأخيرًا خرجوا من المدينة وتوجهوا إلى بلادهم.

ولكن للأسف, ما كاد الصحابة يتنفسون الصعداء لانتهاء الأزمة, حتى فوجئوا بالمتمردين يعودون للمدينة ويرفعون السلاح في وجه أهلها ويحاصرون بيت عثمان بن عفان معلنين إهدارهم دمه! كان السبب المعلن أن هؤلاء الناس قد وقع في أيديهم رسول من الخليفة لولاة البلدان التي أتوا منها, برسائل يأمرهم فيها بقتل هؤلاء المتمردين فور وصولهم لبلدانهم, فعدوا ذلك غدرًا يخرق الاتفاق المبرم ويجعلهم في حِل من الالتزام به.

حتى الآن غير مثبت إن كانت تلك العودة مدبرة مسبقًا, مما يعني أن الاتفاق المعقود توًا كان مجرد مناورة, أو أنها كانت ارتجالية, خاصة أن الثوار قد أمسكوا بالفعل بغلام لعثمان -رضي الله عنه- معه رسالة مزورة باسمه فيها ما قالوا. ولكن المثبت والأكيد أن تلك الرسالة قد كُتِبَت بغير علم الخليفة, مما يعني أن أصابع المتآمرين قد بلغت درجة مخيفة من التسلل إلى حَد إرسال غلام الخليفة على أحد جِماله برسالة خطيرة كهذه! ومرة أخرى تشير الأصابع لعبد الله بن سبأ والمتعاونين معه في مؤامرته تلك.

والمُلاحَظ أن دور ابن سبأ في الأحداث لم يظهر إلا بعد ذلك, فطوال تلك الفتنة القوية لم يرد اسم ابن سبأ أو يظهر وجهه في الصورة للصحابة, بل كان يتحرك بدهاء شديد من وراء ستار معتم. كما أن تركيز الصحابة آنذاك لم يكن على كشف مصدر القلاقل بقدر ما كان منصبًا على إيقاف العجلة المتسارعة للفتنة المهددة بتدمير الدولة الإسلامية الناهضة توًا!

وللأسف.. نجح المتآمرون في تلك المرحلة من خطتهم, وقُتِلَ أمير المؤمنين عثمان بن عفان في منزله بعد أن تسلل بعض الخارجين عليه من السور وضربوه بالسيوف وهو صائم يقرأ القرآن.

ظهور الشيعة

المرحلة التالية لخطة ابن سبأ في ضرب الإسلام تمثلت في الفرقة التي أسسها وهم "السبئية", وهي أول فرقة منشقة عن الإسلام السليم تظهر, وكانت أفكارها منصبة على الطعن في الشيوخ أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- والتعصب للإمام علي -كرم الله وجهه- إلى حَد تكفير من لا ينادي بإمامته وأحقيته بالخلافة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم. ثم بلغوا حد ادّعاء ألوهية الإمام علي, وعودة الموتى للحياة مرة أخرى قبل يوم القيامة, ورجوع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الحياة مرة أخرى.

وعندما تولى الإمام علي الخلافة, جاهر السبئيون بدعوتهم, مما جعله يتصدّى لهم بقوة, ويأمر بإحراق بعضهم عقابًا لهم على ما أحدثوا في العقيدة, والمثير أن من حُكِمَ عليهم بذلك كانوا -أثناء احتراقهم- يشيرون للإمام ويقولون له أنهم تأكدوا أنه هو الله؛ لأن الله وحده من يحرق بالنار!

هذا كان مصير أتباع الدعوة الدينية لابن سبأ, أما عنه هو فقد نفاه الإمام إلى المدائن, والبعض يقولون إنه لم يُنفَ بل قُتِل. ثمة اختلاف على تلك النقطة, ولكن المتفق عليه أن عبد الله بن سبأ قد اختفى تمامًا بعد معاقبة الإمام للسبئية, وإن لم يختفِ مذهبه الذي أخذ يتسلل ويستفحل, ويتبناه بعض المغالين في التعصب للإمام علي -كرم الله وجهه- حتى ظهرت فرق الشيعة العصية على الحصر!
والمثير -كذلك- أن أئمة الشيعة -بالذات الاثنا عشرية- يُنكِرون وجود شخصية عبد الله بن سبأ من الأساس, ويقولون إنها شخصية أسطورية اختلقها السنيون ليطعنوا في المذهب الشيعي.

الخلاصة

السؤال الآن: من كان وراء ابن سبأ؟ إن أصابع الاتهام تشير لجهات عدة, فالأصل اليهودي لابن سبأ يشير لاحتمال وجود دور لليهود في تلك اللعبة, خاصة مع قرب عهدهم بالهزائم المتكررة على يد المسلمين خلال فترة الصراع الإسلامي اليهودي في المدينة وخيبر. والبعض يشير إلى دور الفُرس في الأمر, خاصة أنه بدأ بعد جريمة اغتيال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بيد رجل فارسي هو أبو لؤلؤة, وكذلك لوجود عناصر فارسية في اليمن -موطن ابن سبأ- ولوجود آثار من ديانة الفُرس في الأفكار الدينية للسبئية. ولم تبعد أصابع الاتهام عن الروم الذين كانوا قد تلقوا توًا أعتى الهزائم على يد الجيوش الإسلامية, وكانوا -بالتزامن مع الفتنة- يحاولون احتلال مصر مجددًا.

من المؤكد أن عدد المستفيدين من تلك الفتنة الكبرى كان كبيرًا! ومن المؤكد كذلك أنها كانت مخططة ببراعة ومنفذة بدقة تشي بأن الأمر أكبر من مجرد تخطيط لرجل واحد, وأنه أمر دُبّرَ مسبقًا بدهاء كبير وسرية شديدة.

ومما يشي بحجم تلك المؤامرة, أن الأمة ما زالت تعيش ذيولها إلى الآن, فما فعله ابن سبأ بالعقيدة نرى نتيجته الآن في ذلك الصراع السني الشيعي المرير الذي عانى منه المسلمون والعرب على مر تاريخهم, وما زالوا يقاسونه في وقت تتهددهم فيه الأخطار من كل جانب. وكذلك نرى آثاره في أن منذ مقتل عثمان رُفِعَت من بيننا -عربًا ومسلمين- رهبة حرمة الدم, فتجد العربي يجترئ على قتل أخيه والمسلم يتساهل مع حرمة دم المسلم، كأنما كان مقتل عثمان إشارة البداية للمسلمين أن يكونوا أكثر "شجاعة" في انتهاك حرمات دمائهم التي حرمها الله تعالى إلا بالحق! ولأن الحاضر ما هو إلا صورة متطورة من الماضي, فإن ما بتنا فيه ليلة مقتل عثمان.. نصحو فيه اليوم.. وإلى ما شاء الله.
الكاتب: وليد فكري
المصادر:
1- البداية والنهاية: ابن كثير.
2- موسوعة تاريخ العرب: عبد عون الروضان.
3- علي إمام المتقين: عبد الرحمن الشرقاوي.
4- موسوعة عظماء حول الرسول: خالد عبد الرحمن العك.
5- تاريخ المذاهب الإسلامية: محمد أبو زهرة.
6- الفرق والجماعات الدينية: د.سعيد مراد.
7- رجال حول الرسول: خالد محمد خالد.
8- اليد الخفية: د.عبد الوهاب المسيري.
9- تاريخ الخلفاء الراشدين: د.محمد سهيل طقوش.
10- لله ثم للتاريخ: حسين موسوي.

المُفسِدون في الأرض (3)

المفسدون في الأرض (3)
عندما كان العرب يعبدون عزيزة!!
جزيرة العرب تلك الأرض المباركة التي شرّفها الله بأن جعل فيها كعبته المشرّفة، داهمتها الوثنية بمئات من الأصنام والأوثان والمعبودات من دون الله "عزّ وجلّ" أو بالإشراك معه في وضع يُؤلم كل ذي عقل وفكر.
ومكة.. تلك البلدة المكرّمة، صارت علامة للشرك والوثنية بعد أن كانت الحصن الأخير للتوحيد..فمن السبب؟عندما أسّسَت مكة، كان سكانها هم هاجر وإسماعيل وأبناؤه -عليهم الصلاة والسلام- وقبيلتي "جُرهُم" و"قُطَوراء".

حدث تزاوج وتمازج بين كل هؤلاء مما أنتج المجتمع المكي الأول في صورته القديمة. ولأن مكة -آنذاك- كانت صغيرة المساحة قليلة الموارد، فقد وجدت القبيلة أن على بعض أبنائها الهجرة من البلدة المباركة التي ضاقت على أهلها، والسعي في الأرض وإقامة مجتمعات جديدة.

كانت تلك أولى الهجرات الكبرى من مكة لأطراف جزيرة العرب، وخرج المهاجرون وقد حملوا معهم حجارة من الكعبة تذكارًا لوطنهم الأم وبيتهم المعظم، وانطلقوا إلى الأرض العربية الواسعة حيث أقاموا قبائل كبيرة وأسس بعضهم ممالك ودويلات، وتناسلوا في مهجرهم وأتوا بأجيال جديدة لا تعرف عن مكة سوى أنها أرض الأجداد.

تلك الأجيال سرعان ما انتشر فيها البُعد عن التديّن والطابع الأصيل للحياة العربية، فرأى المشايخ وأصحاب الرأي الذين شهدوا تلك الهجرة الأولى لقبائلهم الناشئة أن يُخرِجوا لأبنائهم الحجارة التي انتزعوها من الكعبة؛ ليذكروهم بأصلهم النبيل، فأخرجوها ووضعوها في أماكن معظمة، وأخذوا يطوفون بها. ولكن كما يقال فإن الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الطيبة!

فقد كان ذلك الطواف على سبيل التعظيم لا أكثر، ولكن مَن قرروه نسوا أن الكعبة تُطاف لا لقدسية أحجارها بل لقدسية موقعها. كانت تلك ثغرة عميقة في محاولة إحياء التدين التي قام بها شيوخ قبائل العرب الأولى، لذا فسرعان ما أتت أجيال توهمت أن تلك الحجارة إنما تُعبَد لذاتها، فبدأت أول عبادة لحجر في الجزيرة العربية..

البذرة الأولى

ولكن قبل أن نركن لذلك التفسير المبدئي لدخول الوثنية لجزيرة العرب فيما بعد رسالة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- علينا أن نضع أيدينا على البذرة الأولى لذلك الانحراف الصارخ عن دين الله.

فقد كانت المنافسة على أشدها في مكة بين قبيلة جُرهُم بقيادة مضاض بن عمرو، وقبيلة قطوراء بقيادة السميدع، كلاهما تسعى للسيطرة على الزعامة السياسية والتجارية للمدينة، بل والدينية أيضًا، فسعت جُرهُم لاصطناع أصل لنفسها بأن نسبت نفسها لجد أكبر اخترعته وزعمت أنه كان أحد ملائكة السماء ثم أذنب فنزل منها في هيئة البشر وأتوا هم مِن نسله.

وصاروا يتفاخرون على أهل مكة وهم يطوفون الحرم قائلين: "لاهُما (اللهم) إن جُرهُمًا عِبادُكا .. القوم طَرفٌ وهمُ قِلادُكا".

فلما تصدت قطوراء لذلك البغي العظيم حاربتها جرهم ودارت بينهما معركة ضارية انهزمت فيها قطوراء وقُتِلَ زعيمها السميدع واستمرت جرهم على بغيها، حتى جاءها يومٌ طُرِدَت فيه من مكة بالقوة بعد أن ضج أهل البلد الحرام بذلك العدوان على مقدسات الله.
ولكن للأسف لم يمنع هذا انتشار العبث بالمقدسات وتحويل دين التوحيد إلى وثنية مطلقة، بل أجّله فقط.. فإن كان ذلك التحول قد تأخر في مكة، فقد كان سريعًا للغاية فيما سواها من بقاع جزيرة العرب.

استيراد الآلهة

موقع الجزيرة فرض على العربي القيام بدور كبير في حركة التجارة الدولية، فكانت قوافله تذرع طرق الشام واليمن ومصر وفينيقيا والعراق، وكانت تعود محملة لا بالأموال والبضائع فحسب، بل بالثقافات المختلفة وبالذات الدينية.

فقد أخذ العرب عن المصريين تقديس أرواح الأسلاف، وهذا عن طريق تقديس الصالحين من المتوفّين والتوسل بهم في الدعاء، والذي تحول تدريجيًا إلى عبادة لهؤلاء الأشخاص أنفسهم. كذلك أخذوها عن أسلافهم القدامى الذين عبدوا "ودا وسواع ويغوث ويعوق ونسرا". وأخذوا تقديس النجوم والاعتقاد في تأثيرها على مجريات الأحداث، عن البابليين.

أما عن الآلهة نفسها، فمعظمها مأخوذ -كذلك- عن حضارات أخرى، ولكن تم تغيير اسمه وبعض صفاته ليتلاءم مع الطبيعة العربية. فـ"مناة" هي في الأصل الآلهة البابلية "مامنتو", وكانت -على الأرجح- آلهة للقدر والموت، و"العُزى" هي -في أقوال- "أفروديت"، وفي أقوال أخرى "إيزيس"، وكان اسمها أولا "العزيزة" ولكن العرب كانوا يميلون للتفخيم فسموها "العُزى" أي "الأكثر عِزة"، و"هُبَل" إله الشِعر وأعظم آلهة قريش تقديسًا، هو في الأصل "أبوللو" إله الشعر اللاتيني وهكذا..

وكان سادات العرب يعودون من أسفارهم بتماثيل يأمرون قومهم بعبادتها, أو يبتكرون آلهة جديدة، وينسجون حولها الأساطير، فيجعلون بعضها بنات الله، كمناة والعُزى، أو يجعلون أحدها زوجته، كاللات، ويقولون أنهن يُعبَدن مع الله للتقرب إليه!

ولأن العربي بطبعه يميل للنمط القبلي في الحياة، وما يتبع ذلك من تبعية شبه مطلقة لسيد القبيلة، فقد كان من السهل على سادات القبائل تغيير عقائد قومهم خاصة مع ما للعربي مِن ميل للبحث في أصول ما يحيطه من أشياء، وكانت تلك الآلهة وما يرتبط بها من أساطير للخلق والتحكم بالظواهر والأحداث تمثل للعربي البدوي تفسيرات مباشرة لأسئلته. فكان الأمر بمثابة صفقة بين طرفين، الأول هو رجل القبيلة العادي الذي ينال غايته في معرفة أصول الأشياء، والآخر -وهو المستفيد الأكبر- هو سيد القبيلة الذي يكتسب من نشره عبادة الأصنام بين قومه مكانة دينية عالية، فضلاً عن المكاسب المادية الناتجة عن القرابين والنذور المقدمة للآلهة.

السادة

كل إله عُبِدَ من دون الله في جزيرة العرب كان وراءه سيد يريد من نشر عبادته تحقيق غرض ما.. فإساف ونائلة أول من وضعهما عند الحرم كان "قُصَي بن كلاب"، و"ظلام بن سعد" هو أول من وضع العُزّى للعبادة، ونجم "الشعرى" أول من قدّسه كان "وجرة بن غالب الخزاعي".. كلهم كانوا سادات لقومهم، إلا أن من تفوق عليهم في تلك اللعبة الدنيئة كان "عمرو بن لحي الخزاعي"، وهو أول من جعل الأصنام تُعبَد في مكة!

فعمرو بن لحي كان من قبيلة خزاعة التي كانت -آنذاك- تسيطر على مكة، وكان أثرى قومه وأكثرهم عزًا ومنعة وأعلاهم كلمة، وكان يحب من حين لآخر أن يوطد سطوته بأن يضع التشريعات لأهل مكة.

تلك التشريعات لم تكن لأمور حياتية جدية ذات فائدة، بل كانت فيما يتعلق بالإبل والأنعام، وكانت شديدة العبثية والسفه، فقد شرّع أن الناقة التي تولد بعد عشرة نوق إناث ليس بينهن ذكر تُسَمّى "السائبة" فلا يُركَب ظهرها ولا يُجَزّ وبرها ولا يشرب لبنها إلا ضيف، وإذا أنجبت أنثى سُمّيت المولودة بـ"البحيرة" وشُقّت أذنها وصار وضعها كما هو وضع أمها. والشاة لو أنجبت عشر إناث في خمس بطون ليس بينهن ذكر سُمِيَت "وصيلة" ويكون ما ولدت من حق ذكور أصحابها دون إناثهم إلا الميتة منها (وكانوا يأكلونها) فيشترك في أكلها الذكور والإناث. أما فحل الإبل إذا نتج له عشر إناث ليس بينهن ذكر صار ممنوعًا ركوب ظهره أو جز وبره وتُرِكَ يرعى ويجامع ولا يُنتَفَعُ به في غير ذلك وسُمِيَ "الحام"، وقد أنزل الله تعالى في ذلك:
{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103].

تلك التشريعات العبثية فرضها عمرو بن لحي على أهل مكة، وانتشرت بعد ذلك بين العرب. ولكن هذا لم يكفِه، فقد سافر إلى الشام والعراق للتجارة، فوجد قومًا يعبدون صنمًا فسألهم عنه فقالوا: "هو صنمنا إذا انقطع المطر توسلنا إليه فنُمطَر، وإذا حاربنا دعوناه فننتصر" فأخذ صنمًا منهم ونصبه في قلب مكة وأمر أهلها بعبادته -وهو"هُبَل"- ثم يقال إنه بعد ذلك أعاد إحياء عبادة آلهة قوم نوح "وَد وسواع ويغوث ويعوق ونسر"، وكان أول من أمر بعبادة إساف ونائلة (اللذين نقلهما قُصي بعد ذلك إلى الحرم).

وهكذا صار أول من بدّل دين إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بقلب مكة، وتبدلت تلبية الحجاج من: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك" إلى: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما مَلَك". وقد أخبر الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنه رأى في معراجه إلى السماء عمرو بن لحي يجر أمعاءه في جهنم.

رجال الدين

ولأن لكل دين رجاله، فقد ظهرت الوظائف الدينية، كالسدنة، وهم خُدام الإله والواسطة بينه وبين العباد، وكانت مكانة السادن حسب مكانة إلهه، فكانت لسدنة الكعبة الصدارة، ثم سدنة الآلهة الكبرى كهبل واللات والعُزى، ثم سدنة باقي الآلهة.
كذلك ظهرت "الكهانة"، والكهنة هم رجال ونساء يدعون اتصال الأسباب بينهم وبين الآلهة والجن وسائر القوى الخارقة، فيتنبئون بالمستقبل والمجهول -بمعاونة الجن غالبًا- ويتحدثون بالسجع والرموز، ويحكمون فيما يجري بين العرب من نزاعات وما يغمض عليهم من أمور.

وجعلوا عند الأصنام "القِداح"، وهي جعبة بها سهمان مكتوب بأحدهما "افعل" والآخر "لا تفعل"، فإذا أراد المرء أن يقضي أمرًا استشار إلهه بضرب القداح، فإما أن يخرج سهم "افعل" أو أن يحجم عما أراد! وظهرت وظيفة "الناسئ" وهو رجل كانت وظيفته أن يحلل أحد الأشهر الحُرُم مقابل تحريم أحد الشهور الحلال، وهذا وفق ما تقتضي مصلحة قبيلته إذا أرادت قتالاً أو ثأرًا من قبيلة أخرى. فكان هذا من أشنع أنواع العبث بأشهر الله الحرم.

تلك الوظائف حرص سادة العرب على توطيد مكانتها حفاظًا منهم على مكانتهم السيادية بحكم إشرافهم عليها من حيث الإنفاق عليها وحماية عبادتها.

كذلك ظهرت بدعة جديدة بين العرب هي "الحمس"، وهم سكان مكة ومحيط الحرم من قريش وخزاعة، فقد كانوا يفرضون على أنفسهم طقوسًا غريبة أثناء موسم الحج كألا يمخضوا اللبن أو يصنعوا الزبد أو يغزلوا الوبر والشعر أو أن يستظلوا به، وفرضوا على الناس أن يطوفوا بالكعبة في ثياب خاصة صنعها الحمس، أو أن يطوفوا عرايا، فعلى حد قولهم: "لا يصح أن نطوف في ثياب قارفنا فيها الذنوب"، فكان أكثر الفقراء يطوفون بالكعبة -رجالاً ونساءً- عراة! وكان الرجل من الحمس إذا عاد لبيته أثناء الإحرام لم يدخله من بابه بل من ظهره! إلى آخر تلك السفاهات التي شرّعها سادات العرب ليذهبوا بالعقول ويصبحوا هم المتحكمين بها.

تلك البدع لم تمر دون محاولات من بعض العقلاء لمقاومتها، فقد رفض الكثيرون اعتناق تلك الخرافات وتمسكوا بدين إبراهيم. وكان من أبرز هؤلاء الذين اعتنقوا الحنيفية وسعوا للإصلاح "زيد بن عمرو بن نفيل" -أبو الصحابي سعيد بن زيد رضي الله عنهما- الذي أقسم ألا يسجد لصنم أو يأكل ما ذُبحَ تحت وثن أو يلبي بتلبية الشِرك، وحاول نشر مذهبه بين قومه فحاربوه واضطهدوه وطردوه من مكة فعاش شريدًا في الصحراء حتى تعرّض له بعض قطاع الطرق فقتلوه، فتنفس سادات مكة الصعداء ولكن إلى حين..

فمِمن عاصروا تجربة زيد بن عمرو بن نفيل، وتألموا لنبأ قتله، فتى من بني هاشم كان أصحاب الفراسة موقنين أن سيكون له شأن.. اسمه "محمد بن عبد الله بن عبد المطلب"، وكان -صلى الله عليه وسلم- كلما تذكّر زيد بن عمرو بعد البعثة ترحم عليه وذكره بخير وعدّه من المؤمنين.

الخلاصة
تغيير دين إبراهيم -عليه السلام- كان جريمة مسلسلة توارثها زعماء العرب ليتمكنوا من خدمة أغراضهم الدنيوية في السيطرة على قومهم، فكان فسادًا منظمًا ضرب بجذوره في أرض الجزيرة، ولهذا فقد كانوا أول من حارب دعوة التوحيد عند ظهورها.

وللأسف.. فرغم انتشار دين الله، فإن الوثنية لم تذهب بكل أحمالها، بل بقيت لها آثار في الإيمان بالخرافات وتقديس قبور الأولياء واتخاذ المساجد عليها وانتشار أعمال الدجل والشعوذة والاعتقاد في قوى أخرى إلى جانب الله، تنفع وتضر.. ونظرة واحدة لما يجري عند أي مقام لأي من أولياء الله الصالحين -رضي الله عنهم- المدفونين في مصر، يجعلنا ندرك أن الوثنية لم ترحل بعد..

فالفساد العقلي إذا أراد أن يمتد للعقيدة.. فإنه يجد لنفسه ألف شكل يتنكر به.. وألف باب يدخل منه.. طالما بقي في الناس السفه والجهل..
الكاتب: وليد فكري

مصادر المعلومات:
1- البداية والنهاية: ابن كثير.
2- موسوعة تاريخ العرب: عبدعون الروضان.
3- تاريخ العرب القديم: د.توفيق برّو.
4- جزيرة العرب قبل الإسلام: برهان الدين دلّو.
5- موسوعة أساطير العرب: د.محمد عجينة.
6- تاريخ الشعوب الإسلامية: كارل بروكلمان.
7- محمد والذين معه: عبد الحميد جودة السحار.
8- فجر الإسلام: أحمد أمين.
9- تاريخ قريش: د.حسين مؤنس.

المُفسِدون في الأرض (2)

المُفسِدون في الأرض (2)
هكذا يعتقد متطرفو اليهود.. قتل غير اليهودي حلال!
أن تعتبر نفسك واحداً من "شعب الله المختار", أن ترى أنك وبني قومك بشر لكم حقوق وتطلعات ومن سواكم "أغيار" لا حقوق لهم على الإطلاق, أن يُصبِح مبدأك أن "الكل أعدائي.. الكل يريدون محاربتي والقضاء عليّ، ولكي أحمي نفسي يجب أن أعاملهم بأعتى أنواع الأذى والخداع وتزييف الحقائق", أن تُحَوِل دينك من رسالة سماوية عليا راقية نزّلها الله ليجعل من الإنسان كائناً أرقى, إلى عنصرية وتعصب وتحفز ورفض دائم للآخر..ماذا يكون هذا إلا فسادًا جديدًا في الأرض؟

نقطة التحول

عندما غزا نبوخذ نصر -الملك البابلي- مملكة يهودا, دمّر أورشليم وخرّب الهيكل وأحرق التوراة، وقسّم اليهود المأسورين ثلاثة أقسام, قسم استعبده وقسم قتله والقسم الأخير حمله معه إلى بابل فيما يُسمّى "السَبي البابلي". تلك التجربة القاسية -وما سبقها من تجارب عنيفة مع الآشوريين والمصريين من قبل- أحدثت في عقلية نسبة ضخمة من اليهود تغييرًا جوهريًا بقيت آثاره العميقة حتى الآن.

الخوف الدائم من الآخر, الافتراض المطلق لسوء نوايا المحيط, الاستعداد للإيذاء لمجرد الشك, استباحة الخداع والغش والإضرار بالآخرين لمجرد أنهم كذلك, الوحشية المفرطة في استخدام العنف مع الخصم, كلها صفات سعى رجال الدين اليهود -آنذاك- لنشرها بين قومهم, اعتقادًا منهم أنهم بذلك يُحدِثون في الشخصية اليهودية التغيير المنشود ليصبح الشعب اليهودي أكثر قدرة على التفاعل مع محيطه, خاصة بعد أن هزم قورش -مؤسس الدولة الفارسية- مملكة بابل وحرر اليهود ونقلهم إلى أرض فلسطين مجددًا. ومن المعروف أن تلك المنطقة كانت -ولفترة طويلة جدًا- ممرًا هامًا لجيوش الممالك الكبرى وساحة للمنافسة بين دول العراق ووادي النيل ومنطقتيّ الشام والأردن؛ الأمر الذي أدركه كبار رجال الدين والسياسة اليهود ورأوا أن السبيل الوحيد للتعامل معه هو تعديل الشخصية اليهودية بحيث تصبح أكثر تشككًا وعدوانية واستعدادًا للتعامل مع الآخرين بكل حدة ودون أدنى رادع عن استخدام أعتى ألوان العنف والتآمر.

ذلك التفكير كان متطرفًا للغاية وغير مُبرر, والدليل أن من بين الدول المجاورة لمملكة يهودا دولاً كانت تشغل مواقع متميزة مطموعاً فيها بشكل دائم بل وتعرضت بشكل مستمر لغزوات وهجمات, كالمملكة المصرية مثلا أو المدن الفينيقية, ومع ذلك لم تكن من سياسات حكومات تلك الدول أن تزرع في شعوبها ذلك النوع العنيف من "جنون الاضطهاد" الذي زرعه زعماء المملكة اليهودية في شعبهم.
شعب الله المختار والأغيار

اليهود كانوا من بداية بعثة موسى -عليه الصلاة والسلام- لهم, يؤمنون أنهم شعب الله المختار, وقد كانوا كذلك بالفعل, فقد كانوا وحدهم يؤمنون بالله في عالم اعتنقت فيه الشعوب مئات الآلهة من دونه عز وجل.

وقد تعددت التفسيرات لنظرية "شعب الله المختار"؛ فمنهم من قال: إنها بمثابة أمر إلهي من الله الذي اختار لليهود الذين اختيروا, ومنهم من فسرها بأنها تكريم من الله لليهود وتفضيل على العالمين. وآخرون قالوا: إنها مصير مكتوب على ما يسمى بأمة اليهود.
التفسيرات الثلاثة كانت تعني -لأي شخص عاقل- أن الاختيار يؤدي بشكل تلقائي ومنطقي لمسئولية على أكتاف المُختارين أن يكونوا عوامل نهضة للإنسانية؛ ولكن التلاعب والنظرة الضيقة للأمر جعلا كبار اليهود يأخذون من الاختيار شِق التشريف دون شِق التكليف, ونشروا بين شعبهم فكرة أن "اليهود لا تنطبق عليهم أحكام التاريخ"، وبالتالي فإن من حقهم أن يفعلوا كل ما يرون أنه في مصلحتهم دون خوف من إدانة تاريخية تسري على غيرهم إذا أخطأ.

الفساد الفكري لم يكن في مجرد وجود الإيمان باختيار الله للشعب اليهودي؛ ولكن في تفسير وتعريف المتطرفين من اليهود لذلك الاختيار. فبعد أن كان يعني وضع المسئولية الإلهية عليهم لنشر عبادة الله بين الأمم, أصبح يعني لهم التعصب للذات واحتقار من سواهم -أو من سماهم اليهود بـ"الأغيار" (جوييم)- واستباحة العدوان على دم ومال وعرض هؤلاء الأغيار, باعتبارهم "كائنات أقل منزلة من الإنسان اليهودي". وبعد أن كان تكريم الله للنفس البشرية، والأمر بصونها مستمدًا من إنسانية صاحبها بغض النظر عن جنسه ودينه وعرقه, أصبح يقتصر فقط على من كان يهوديًا؛ مما جعل العدوان على دم ومال وعرض غير اليهودي عملاً غير محرم؛ بل ربما كان مطلوبًا ومأمورًا به حسب فتاوى بعض أحبار اليهود.

ولأنهم اعتبروا أنفسهم الممسكون بمفاتيح اللعبة, سعى كبار اليهود للتلاعب بالقوانين؛ بحيث تفرق في الجزاء بين العدوان الواقع من يهودي على يهودي ومن يهودي على أحد الأغيار, بحيث تشدد العقاب على النوع الأول وتخففه -أو ربما ترفعه تمامًا- عن النوع الثاني.

ولكي يكون لتلك العملية الكبرى في تزوير الدين سند شرعي, وضع بعض رجال الدين اليهود -أثناء فترة السبي البابلي- تفسيرًا للأوامر الإلهية التوراتية والموسوية بشكل عام أطلقوا عليه اسم "التلمود", وهو لفظ مستمد من الكلمة العبرية "لامد" بمعنى "الدرس والتعلم"، اختلفت نسخه من حيث المساحة والتناول ولكنها اتفقت من حيث أنها تحتوي على الكثير من المواد التي تكرس التعصب الديني والعرقي وتزرع روح العنصرية في شخصية اليهودي المؤمن بالتلمود الذي تعتبره نسبة لا بأس بها من اليهود كتابًا أكثر قدسية من التوراة ذاتها!

ذلك التزوير في صميم الدين اليهودي, متلازمًا مع ما لرجال الدين من مكانة لدى مجتمعات الشرق القديم بشكل عام, وكذلك مع الاتجاه الطبيعي لليهود للتعلق بالروحانيات والميل للتدين خلال أزمة سبيهم وما تلاها, أديا لعملية تغيير نفسي وفكري ضخمة في شخصية معظم اليهود, بقيت آثارها حتى يومنا هذا ولكن بصور أكبر وأعمق.

الدولة الوظيفية

معظم اليهود, فيما بعد مرحلة السبي, أصبحوا شخصيات مصابة بالبارانويا, تنتظر دائمًا الأذى وتتوقعه من الآخرين وتتوجس منهم؛ مما جعل للجماعات البشرية اليهودية سمات خاصة, سواء كانت في شكل دول مستقلة أو شبه مستقلة, أو كانت في شكل جماعة تعيش كجزء من بنيان دولة.

وما كان سائدًا في العالم القديم هو شكل الدولة اليهودية كدولة وظيفية, أي دولة تنشأ وتعيش في ظل حماية دولة أو دول أكبر, ساهمت في بناء ودعم تلك الدولة لكي تؤدي وظيفة واضحة.

هذا ما كان من مملكة يهودا, فيما بعد التحرر من السبي, فخلال عهود الصراع بين ورثة الإسكندر الأكبر -السلوقيين في الشام والبطالمة في مصر- لعبت الدولة اليهودية دور الخادم المطيع لكلتا الدولتين الكبيرتين, حسب تفوق كل منهما, فإذا ارتفعت أسهم البطالمة, هرع إليهم كبار اليهود مقدمين فروض الطاعة والولاء, وإذ تفوق السلوقيون, سارع نفس الكبار لإعلان خضوعهم التام لهم. وتطور الأمر بشكل أكبر خلال عهد سيطرة الرومان على الشرق القديم؛ فقد لعبت الدولة اليهودية دور الجندي المخلص للسادة في روما, وذلك بضرب جيرانها لصالح الرومان ليسهل على هؤلاء الآخرين احتلال المنطقة دون مقاومة تذكر.

ذلك الدور المدمر للمملكة اليهودية لم يكن -بالتأكيد- العامل الأساسي في سقوط الشام ووادي النيل تحت الاحتلال الروماني البشع؛ ولكنه كان عاملاً يشير لمدى سوء نوايا تلك الجماعة البشرية واستعدادها للغدر بجيرانها "الأغيار" ظنًا بزعمائها أنهم بذلك ينقذون الشعب المختار من "الأغيار الآخرين", أي أن الأمر كان يجري من منظور "ضرب الأغيار بالأغيار". ذلك الدور كان نتيجة طبيعية للعبث الفكري المنظم بمعتقدات اليهود, من قِبل كبار علماء دينهم, وجعلهم يؤمنون بأن كل شيء مباح مع الآخرين طالما أنه يحقق مصلحة الشعب اليهودي الراقي.

الثمن

ولكن لتلك السياسة ثمن باهظ دفعه الشعب اليهودي. فذلك الدور الذي فرضه كبارهم على شعبهم خلق حالة من "توقف التاريخ". فبخلاف جيرانهم, لم ينتج اليهود -آنذاك- ثقافة حضارية كما فعل المصريون والفينيقيون والبابليون والأنباط؛ بل اقتصر دورهم على ضرب الآخرين والتعرض للضرب منهم؛ مما وطد الفكرة السائدة عنهم وقتها كجماعة لا تجيد سوى التدمير والقتال لأجل الآخرين, أي أن زعماء اليهود حولوا شعبهم بالكامل لمرتزقة لصالح غيرهم, وبدلا من أن يتعاونوا مع جيرانهم لطرد المحتل الروماني وخلق عملية تبادل حضاري شرقي كبيرة -كما كان يفعل هؤلاء الجيران- أصبحوا بمثابة معول هدم للأمم المجاورة؛ بل ولأنفسهم, فمعنى تحولهم لـ"دولة وظيفية" هو أنهم اختاروا ربط وجودهم بوظيفة محددة, طالت فترتها أو قصرت, مصيرها الانتهاء.

وهذا ما حدث, فبعد أن لعبت مملكة يهودا الدور الكبير في ضرب البطالمة والسلوقيين (خلال فترات ضعفهم وصعود نجم الرومان) وكذلك إضعاف الأنباط, وبعد أن استقر النسر الروماني على الشرق بشكل كامل, أصبح الشعب اليهودي في فلسطين مجرد عالة على روما التي أدارت وجهها له بالتجاهل أولاً, ثم كشرت له عن أنيابها وأحدثت في اليهود مجازر ومقاتل عنيفة، وانتهى الأمر بأن طرد الرومان اليهود خارج أرض فلسطين وحرموها عليهم, حتى فتحها العرب في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وسمحوا للعائلات اليهودية بالعودة إليها.

الخيط الممتد

كل تلك الكوارث التي حلت بالشعب اليهودي قديمًا كانت نتيجة طبيعية للتزييف الذي تعرضت له معتقداته عل يد قادته, تلك الجريمة التي امتد أثرها في شكل خيط طويل عبر التاريخ إلى يومنا هذا، وأصبح جزءًا من ثقافة نسبة ضخمة جدًا من اليهود. وبرغم أنهم عاشوا في سلام في عهد الحضارة الإسلامية الممتدة من الصين والهند وسيبيريا إلى الأندلس والمغرب؛ إلا أن ذلك الجرح الغائر الذي أحدثه بعض الأحبار في بابل خلال سنوات السبي, بقي أثره متوارثًا لدى بعضهم. فصحيح أن العهد العربي الإسلامي قد شهد اندماج الجماعات البشرية كلها -بما فيها اليهود- في نسيج الدولة, ومدى إسهام اليهود العرب في بناء الحضارة وصدق رغبتهم في الاندماج والذوبان في البنيان الحضاري العربي, إلا أن الفكرة المتطرفة لـ"الشعب المختار والأغيار" بقيت كورم سرطاني كامن ينتظر اللحظة المناسبة للتوحش والخروج, كأي فكر متطرف لأي جماعة بشرية أو دينية أيًا كانت؛ فالتاريخ يعلمنا أن التطرف لا يموت؛ بل يكمن.

ذلك الخيط وجد لنفسه غزلا ينسجه عندما انطلقت فكرة الصهيونية اليهودية وفكرة بناء الدولة الإسرائيلية الجديدة, كدولة وظيفية أيضًا رعتها دول كبرى هدفت من خلال تأسيسها لخدمة أغراض معينة. وكأنما لم يتعلم الذين نادوا بقيام الدولة, من اليهود, الدرس القديم. ولأن العرب من "الأغيار" فقد استباح الصهاينة أن يفعلوا كل شيء وأي شيء من أجل دعم هدفهم, من احتلال الأرض العربية بحجج واهية من نوعية "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض", وتغيير هوية تلك الأرض لطمس أدلة كذب القائلين بأن فلسطين "أرض بلا شعب", وإخراج تقارير مفتراة تتهم -زورًا- الحكومات العربية, فيما بعد 1948, باضطهاد مواطنيها من اليهود وتنفيذ مجازر بحقهم, والقيام بعمليات تخريبية في الدول المجاورة, واستخدام القوة الغاشمة لضرب السكان الأصليين للأرض المحتلة.

كل تلك الجرائم يعتقد منفذوها أنها "حلال" طالما أنها بحقنا نحن "الأغيار". نعم.. هناك واقع عسير التصديق يقول: إن الصهيوني الذي يدير مذبحة أو ينفذ عملاً تآمريًا أو تخريبيًا يؤمن بشرعية ما يقوم به(!!) وأنه يخدم قضية عادلة مستعدًا للموت في سبيلها.

لا أقول إن كل اليهود يؤمنون بتلك الأفكار الهدامة -لا قديمًا ولا حديثًا- بل إن من بينهم الآن من قام لمقاومة تلك الآفات الفكرية بعد أن أدرك خطورة أثرها على اليهود والإنسانية كلها, كالبروفيسور الأمريكي اليهودي جوئل بنين أو كالمفكر الإسرائيلي د.إسرائيل شاحاك, وغيرهما. ولكن لأن صوت التطرف لا يحب أن يسمع سواه؛ فقد انطلقت الأبواق الصهيونية تهاجمهما، وكل من يفكر مثلهما, وتتهمهما بخيانة اليهودية وعصيان أوامر الله, في قلب متبجح للحقائق!

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} هكذا قال الله؛ لكن للأسف, يصر بعض البشر أن يخلقوا بحماقاتهم أوزارًا وهم يريدون -عامدين- أن يحملها أبناؤهم.. وذلك التعصب والتطرف الصهيوني الدموي المدمر هو حصاد تلك البذرة السامة التي زرعها بعض أحبار اليهود في بابل منذ آلاف السنين, ليحمل وزرها أبناؤهم وأحفادهم عبر العصور!
الكاتب: وليد فكري


-مصادر المعلومات:-
1- موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: د.عبد الوهاب المسيري.
2- اليد الخفية: د. عبد الوهاب المسيري.
3- الجماعات الوظيفية اليهودية: د. عبد الوهاب المسيري.
4- الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: د. عبدالوهاب المسيري.
5- الديانة اليهودية وتاريخ اليهود: د. إسرائيل شاحاك.
6- البداية والنهاية: ابن كثير.
7- محمد والذين معه: عبد الحميد جودة السحار.
8- اليهود في تاريخ الحضارات الأولى: جوستاف لوبون.
9- تاريخ اليهود في بلاد العرب: د. إسرائيل ويلفنسون.
10- تاريخ يهود النيل: جاك حاسون.
11- أساطير اليهود: لويس جنزبرج.
12- اليهود في فلسطين في العصرين البطلمي والسلوقي: د. هاني عبد العزيز جوهر.
13- الشرق الأدنى في العصرين الهيللينيستي والروماني: د. أبو اليسر فرح.
14- يهود العالم العربي, دعاوى الاضطهاد: د. زبيدة محمد عطا.
15- اليهود في العالم العربي:د. زبيدة محمد عطا.
16- أهل الذمة في مصر:د. قاسم عبده قاسم.
17- الأسطورة والحكاية الشعبية في العهد القديم: د.كارم محمود عزيز.